23 ديسمبر، 2024 12:54 ص

الاحتماء السياسي بكورونا لتمرير الحكومة المرتقبة في العراق

الاحتماء السياسي بكورونا لتمرير الحكومة المرتقبة في العراق

لقد غير فايروس كورونا الوبائي خارطة العالم ومعالمه السياسية والاجتماعية والحياتية والاقتصادية، وكان له تداعيات كبيرة ألقت بضلالها على مجتمعات وشعوب العالم أجمع، وأدخل العباد والبلاد في نفق مظلم لم ير النور بعد، فكان وباء وجائحة كارثية أهلك الحرث والنسل وأكل الأخضر واليابس، ولم يزل الناس في حيرة من أمرهم لأيجاد مخرج وعلاج من هذا الوباء العالمي الخطير، الذي أصاب الآلاف من البشر وأودى بحياة الكثيرين من أبناء المعمورة، ولم تزل الاسباب الفيزيقية والميتافيزيقية والسياسية والميتاسياسية غائبة تماماً عن معرفة الأسباب الحقيقية لهذا الفايروس المدمرالذي أجتاح العالم، والأيام والتاريخ والمستقبل كفيل بإظهار الأسباب والدوافع الحقيقية وراء انتشار ذلك الفايروس بهذا التوقيت بالذات.
لم يكن العراق بمعزل عن دول العالم من جراء انتشار ذلك الفايروس الوبائي، وكان العراق على موعد مع كورونا، قريب العهد بالواقع السياسي والاجتماعي العراقي المتشظي وبالصراعات السياسية والتظاهرات الشعبية الكبرى التي شهدتها البلاد منذ الأول من تشرين الأول من العام 2019، وتفاقمها بعد ذلك للأشهر اللاحقة والى ما قبل أحداث كورونا الصحية في العراق والعالم، في الأيام الأخيرة من شهر شباط من عام 2020، حيث سجلت أول اصابة وبائية بالفايروس في العراق في محافظة النجف، وعندها دخل العراق ساعة الصفر، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة تلك الجائحة في البلد، وقد تشكلت عندها خلية الأزمة الصحية لمواجهة ذلك الوباء والحد من انتشاره، والعراق منذ أحداث الأول من تشرين الأول والى يومنا هذا يعاني من فراغ سياسي وحكومي واقتصادي وترهل كبير في كافة مفاصل الدولة، فالحكومة المستقيلة، حكومة تصريف الاعمال، حكومة مشلولة ليس لها من الأمر شيئاً، حكومة أقوال وشعارات لا أعمال وانجازات، والبرلمان الى يومنا هذا في منتصف شهر نيسان ولم يقر الموازنة بعد، وما بين ذلك الاخفاق والفشل السياسي وكورونا السياسة في البلاد أنشبت جائحة كورونا أظفارها على العباد لتأخذ حصتها من المواطن بين مصاب وقتيل ومحجور بذلك الوباء الخطير، الذي لم نعلم قصة انتهائه بعد، وبين لعنة كورونا السياسة وكورونا الوباء في العراق أطلت كورونا النفط الاقتصادية برأسها على العالم لتدخله في نفق اقتصادي مظلم لا نعرف مصيره فيما بعد، حيث هبوط أسعار النفط الى ما دون الثلاثين دولاراً، فضلاً عن الخسارات الاقتصادية الاخرى التي اجتاحت العالم في ظل الحجر الصحي وأغلاق الحدود والمطارات والتنقل والسفر بين أغلب دول العالم المصابة بالوباء، مما كلف دول العالم والمؤسسات والشركات والتجار ورجال الاعمال الكثير من الخسارات الكبرى، والصرف المالي الكبير الذي تحتاجه الدول لمواجهة خطر العدو الجديد (كورونا المستبد)، الذي كان عدواً فتاكاً غزا دول االعالم، مما جعل البعض يهرب منه ويحترس، والبعض الآخر يتسلح به ويتحصن لتحقيق مآربه السياسية والاقتصادية، ويستغل تلك الجائحة أبشع الاستغلال، وهذا ما حصل بالفعل في العراق، في ظل صنّاع الازمات وتجار الحروب والصراعات، الذين أبتلينا بهم من أئمة الحكم وقادة الاحزاب والكتل ومن يتبعهم من سماسرة السياسة وبطانتهم طوال تلك الفترة المنصرمة التي جعلت العراق ساحة حرب ولعب ونهب لمن هب ودب، حيث الحكومة والطبقة السياسية في وادٍ والشعب والمواطن في وادٍ آخر، الطبقة السياسية تسعى لخدمة نفسها ومصالحها الحزبية الضيقة، وللشعب البؤس والفقر والحرمان، وقد خرج الشعب في تظاهرات عدة محتجاً على سوء الخدمات ورداءة ادارة الحكومات وكثرة الفساد المستشري في مفاصل الدولة من رأسها الى قدمها، الدولة التي حسمت زمام أمرها بالقضاء على المواطن وخنق حرياته وسرقة حقوقه في ظل ديمقراطية المافيات الحاكمة، وتجار الحروب والفساد والارهاب في البلاد.
منذ أكثر من ثلاثة أشهر والدولة والاحزاب الحاكمة تتباحث في مسألة اختيار رئيس وزراء جديد وبديل عن حكومة تصريف الاعمال، وقد كلف رئيس الجمهورية مرشحين وفشلا في تشكيل الحكومة المرتقبة، وهما من خيارات الاحزاب والكتل وليس من خيار الشعب وخارج الوسط الحاكم كما أراد الشعب من خلال تظاهراته للقضاء على الفساد والمحاصصة، وها هو المكلف الثالث يدخل اللعبة من جديد، بعد توافق سياسي حزبي كبير لم يحصلا عليه المكلف الأول والثاني، وكان الثالث أكثر حظاً ونصيباً منهما، رغم رفض الشعب لكل هؤلاء المرشحين لأنهم من الأوساط السياسية الحزبية التي لم تخدم العراق وشعبه بشيء يذكر، وقد كان لفايروس كورونا الدور الكبير لاحتماء الاحزاب والكتل السياسية من خلاله لتمرير مرشحهم واللعب السياسي بما يناسبهم وعلى مقاساتهم الخاصة، دون تدخل الشعب والمحتجين في ذلك، كونهم يخضعون لحظر التجوال، وخلو ساحات الاعتصام والاحتجاج من المحتجين الذين كانوا يرابطون في ساحاتهم لمواجهة كورونا السياسة، فما كان لكورونا الفايروس إلا أن يكون حصان طروادة الذي يحقق للسياسيين مآربهم لتحقيق ما يصبون اليه في ظل الحجر الصحي العام وحظر التجوال واستغلال الوضع العام في العالم والبلاد أبشع الاستغلال، وما سلسلة تمديد الحظر المتكررة في البلد الا لخدمة المشروع السياسي وتمرير حكومة المرشح الأخير وكابينته المرتقبة، دون رقيب أو رأي شعبي تجاهه، وهذا ما يعمل عليه الساسة والأحزاب خلال هذه الايام، وكأن الظروف التي نعيشها قدمت خدمتها للمكلف الرئاسي الجديد على طبق من ذهب، حيث الأزمة السياسية المعقدة في العراق، والواقع الصحي السيء الذي نعيشه، وأزمة النفط والاقتصاد المعقدة التي تهدد العالم، فهل سيكون المرشح على قدر من المسؤولية لقيادة العراق في ظل كل تلك الأزمات، ويحقق أحلام الفقراء والمساكين والحالمين بوطن جميل ليس إلا، أم سيكون محققاً لأحلام الساسة ومصالحهم الحزبية الضيقة، أم سيُرفض مثل سابقيه في البرلمان، هذا ما ستشهده الأيام القادمة وتخبرنا به الأعمال لا الأقوال مثلما صرح المكلف الأخير في خطابه الأول للشعب، الشعب الذي يرتقِب الفرج منذ سنين ويحلم بقائد لسفينة النجاة وقيادتها الى بر الأمان.