23 ديسمبر، 2024 5:30 ص

الاحتلال والارتداد الديمقراطي ومسالة الفترة الانتقالية‎

الاحتلال والارتداد الديمقراطي ومسالة الفترة الانتقالية‎

كان نتيجة لاحتلال العراق ان توارت الدولة العراقية وانطلقت الى جانب المحتل جموع السراق والنهابين لتاتي على بقايا الدولة التي دمرها المتحل وبمباركة مريديه ، وتم تعيين الحاكم المدني بول بريمر الذي اجتهد دون معرفة دقيقة باحوال ومزايا شعب العراق وبمباركة من جاء معه تمت التهيئة لتطبيق النظام البرلماني في العراق ، والمعروف بعد حل الجيش العراقي ان توجه النهابون وتجار السلاح وبمباركة واشراف امريكي لسرقة سلاح هذا الجيش بما في ذلك الدبابات والمدرعات او ناقلات الجنود وغيرها من صنوف اسلحة الجيوش لتكون بيد العشائر والعوائل والافراد ، وان تكون هذه الاسلحة وسائل تشكيل العصابات والمافيات والعاملة على تهديد امن المواطن والوطن ، 
مقابل هذا التسلح. تجد اغلبية من هذا الشعب انطلقت توا من ظلم النظام الشمولي تحت حرية مطلقة لا واعز لها ، ليجنح البعض منه لاستعمال السلاح كل ضد الاخر ولاتفه الاسباب ، او لتتصارع العشائر بعضها من البعض الاخر ايضا لاسباب قد تكون هي الاخرى واهية ،يقابل ذلك كله ودون الانتباه الى فعل هذا السلاح في التاثير على الاتخابات  ، وامكانية استعماله او التهديد به للتاثير في نتائجها او على الاقل حرفها عن اهدافها النبيلة ، ورغم كل هذه الموانع السلبية جدا ، تم التسريع في عملية تطبيق الديموقراطية على حد تعبير المدافعين عنها رغم عدم نضوجها او قبل ان يحين اوانها ، فالديمقراطية تحتاج قبل كل شئ مناخ ديموقراطي ، وبلوغ الناس مرحلة التعرف عليها كممارسة ومفهوم سياسي يتطلب فكر وظرف مناسب لهذه العملية ، ويرد علينا الدكتور ابراهيم الجعفري معترضا على مفهوم المرحلة الانتقالية وهو يقول لا داعي لهذه المرحلة واننا لسنا بحاجة للدخول في مرحلة التهيئة والتدريب ، ان المرحلة الانتقالية واجبة المرور بها للعبور بالمواطن من التعود على سلوك واوامر الانظمة الشمولية الديكتاتورية الى سلوك والانضباط الذاتي  للدولة الديموقراطية ، وان هذه المرحلة واجبة الاجتياز لتعويد المواطن على تقبل راي الاخرين ،لانك كما يقول المفكر الفرنسي روبنسون تستطيع ان تطلب من اي شخص ان يحمل حقيبتك، لكنك لا تستطيع ان تطلب منه ان يحمل افكارك، ان الفترة الانتقالية كان لا بد منها لنزع السلاح من يد المواطن وتعزيز قوة الدولة به لا ان يقف شعب مسلح امام دولة هي صاحبة الحق في السلاح  ، بل الفترة الانتقالية كان لا بد لها من تهيئة شعب مسلح بالافكار والمثل والمبادئ الديموقراطية ، لا بالسلاح كما هو حاصل الان ، ان الديمقراطية تتطلب اول ما تتطلب السلمية في السلوك والسلمية في طرح الافكار والسلمية في الترشيح والسلمية في الانتخاب والسلمية والروح الرياضية في تقبل النتائج ، وهذا يتطلب اعداد مواطن معبأ بهذه المثل عن طريق الاعداد والتوعية السياسية ،والديمقراطية تحتاج الى احزاب عقائدية لها برنامج حكومي واضح ، ولها قاعدة جماهرية معدة سلفا تستطيع الايصال بها الى السلطة دون تزوير ، والديمقراطية تحتاج لاعداد تربوي ممنهج يعلم فيه المواطن اهمية الدولة في حياة الناس واهمية الاخلاص لهذه الدولة والحفاظ على كيانها وهيبتها والحفاظ على مالها العام ، واهمية هذا المال في رفاه وتقدم المجتمع ، فالذي حصل دون كل هذا الاعداد ان تعثرت التجربة الديمراطية المستعجلة ، والتي صاحبها هجوم ارهابي له شراسة منقطة النظير ، اتى على كل ما هو حق لهذا المواطن وبالاخص حق الحياة تحت عنوان السلفية الدينية ، ورغم كل هذا كان للمواطن المعتدل دوره في في خوض التجربة الديمقراطية ، وتوجه الى صناديق الاقتراع رغم هذا الارهاب ورغم حداثة التجربة ورغم مرارة الظروف ، لكنه وفي كل الدورات الانتخابية خاب ظنه بما نتج عن هذه الانتخابات من حكومات متعافبة لم تك في مستوى المسؤولية وافرزت هذه الانتخابات مسلمة واحدة لاغيرها ان الاحزاب العاملة على الساحة لم تك هي الاخرى في مستوى المسؤولية للعبور بالوطن الى بر الامان ، مما تسبب في حدوث ارتداد على الديمقراطية ، فاذا كان للاحتلال هو الزلزال فان الديموقراطية المستعجلة كانت هي الارتداد…
هذه المقالة هي لمحة من مضمون كتاب لنا قيد الانجاز بعنوان ( الاحتلال والارتداد الديموقراطي وهو جهد مبني على مسلمات علم السياسة)