23 ديسمبر، 2024 1:35 م

الاحتجاج بصمت ، زينب الربيعي..انثى تلبسها القلق

الاحتجاج بصمت ، زينب الربيعي..انثى تلبسها القلق

يعرف علماء النفس الصورة الشعرية بأنها ادراك حسي ويتجلى هذا الاحساس لحظة توقد المفردة الشعرية أي عندما يرسم الشاعر صوره بالكلمات وهذا الاحساس كما يؤكد علماء النفس يبقى مسكون في نفس الشاعر حتى يخرج صرخة ملفوظة بوجه متلقي.

وهذه الثنائية(الاحساس/ اللفظ) تحصل كثيرا عند(زينب الربيعي) فعند الولوج الى مملكة نصوصها يغمرنا بحر شعري هادر تملكه هذه الانثى التي تمارس الاحتجاج بصمت لروحها المستترة خلف غيمة من القلق الوجودي الذي يبدو انه لازمها كاسمها فتفتح ابواب احاسيسها لتخرج مفرداتها مختزنة في عمقها الق المكان وتغوي المتلقي في السير الى امكنة يسكنها الخوف محاولة منها في تعرية الاشياء وكشف الاقنعة عنها لذلك تعلن(زينب) الانثى الثائرة على الواقع بصمت في مطلع قصيدتها(جدران)

كل الناس جدران قصيرة

كالحة مبعثرة

فهي هي تشير الى قلقها من الاخر عبر توظيف الجدران القصيرة والجدار كما يرى المختصون هو(جدل بين ان يحيط وان يعزل) فهي تعيش حالة القلق من الاخر الذي هو وجوده لا يستغنى عنه كما الجدار والمعروف ايضا ان البيوت والابنية المهمة تكون جدرانها طويلة كي تحمي وتستر من بداخلها الى ان(زينب) ترى ان الناس جدران قصيرة فهم لا يستطيعون حمايتها ولا تستفيد من وجودهم لكنها لا تستطيع الاستغناء عنهم ويدلنا على ذلك قولها في اخر القصيدة مستدركة ومتمنية ان تحظى باخر يحميها

علك تكون مرآتي تعكس قزح فستاني الربيعي

لك زهوري

حينما تتطاير برقصي حولك

وفي نص اخر تذهب بنا الشاعرة الى مخدع حقيقة اخرى هي علاقة المرأة بالرجل احد المحاور الاساسية في نصوص(زينب الربيعي) الذي عالجت الشاعرة من خلال نصوصها كشف الكثير من المسكوت عنه في حياتنا فيمتد القلق والاحتجاج على الرجل الذي كانت تتمنى ان تضيئ شمسها دربه وان يجلي قمرها ظلمة ليله كما في قصيدتها(صرت بحجم الصورة)

انا امرأة من شمس وقمر

وشيء ثالث اخر

لا الشمس اضاءت دربك

ولا القمر ازاح ظلمة ليلك

زينب ترسم في قصائدها تفاصيل حياة المرأة التي تحتج بصمت لتخلق فضاءات واسعة تستقي منها ابعادا تأويلية تخلق من خلالها مجالات شعرية فنصوصها تشير الى انوثة واضحة لا تستطيع ان تختفي وراءها او تتماهى بين سطورها الى انثى وربما هذا ما ارادته(زينب) لتدلل على ان النصوص هي صدى لصوت انثى ولواعج تبوح بها عن المكبوت بداخلها فنصوصها تكشف لنا عن حوار بين الذات(الانثى) والاخر(الرجل) كاشفة عن وجه ايروسي بلغة رفيعة غير مبتذلة حيث تقول:

ستظل حائرا طوال حياتك

في الشيء الثالث الاخر

انتظر في كل مرة صوتا

يحيي مني اجزاء ببعدك تحتضر

انت لست كالله تحيي وتميت بلمحة

انت لست كالانبياء

ستجعل مني امة

وانت لست كالرجال

ستتخمني حزنا وظلمة

فـ(زينب) كغيرها من النساء الممنوعات عن البوح لذا فهي ترفض الواقع السيء بهذا الاحتجاج واضعة صرخات رفضها الصامتى على اطباق من زجاج شفاف لتبقى صورتها انعكاسا لمرأة تختزن في عمقها الق الكتابة عن امكنة تشتهي تفاصيلها.

بعدما تقدم نقف عن مسألة مهمة لازالت محل نقاش واختلاف النقاد كما يرى(عدنان الفضلي) وهي هل الانثى اكثر شاعرية من الرجل عندما يكون الجسد هو محور القصيدة؟

ونحن هنا لسنا بصدد بيان رأي الفريقين او الانتصار لرأي لكننا لمسنا في قصائد(زينب الربيعي) كتابة بلغة الجسد ولكن دون ابتذال فهي بشعرها(الايروتيكي) تكتب جملا شعرية تختزل شاعرية عالية كما في قصيدتها

(طارق الليل)

يطرق بابها

تركن الى الجدار

يقتحم المسافة

يدمي يده حين يقطع سلسلة افكارها بسكين عوراء

تمتزج حمرة شفاهها

ونشيج وجعها

ونثار شعرها

بديباج فراشها

حيث تطفو لتنام

طارق اول الليل

كعاشق يشق الاسوار

ويغادرها بغلس

تتنعم…

تتعطر…

وتنتظر

غدا سيتعتق

بلهاثها سيسكر

مع لبلاب شرفتها يتسلق

على صورتها

على ابتسامتها الصماء

يجر ذيل ثوبها الابيض

يمزقه شرائط يلحف بها الجدار

في هذه القصيدة تأكيد لبوح الانثى الشاعرة ومكابداتها وهي دعوة بلغة جميلة للاخر(الحبيب) كي يسكر بلهاثها.

هنا تتكلم الشاعرة بصوت المرأة وهي عبارة عن امنيات تعكس من خلالها رغبة الشاعرة في نقل احاسيسها وشعورها من الواقع الداخلي(النفسي) الى الواقع الخارجي في صور تتفق مع العملية النفسية التي استطاعت تقديمها في صور جاهزه(كليشيهات) تعبر عن مرارة الحاضر من منظور الماضي.

وهنا تمتزج الواقعية النفسية بالصورة الخارجية الت تدل على رصد العديد من المتخيلات الوجدانية محاولة تفسير معاني الحياة اليومية شعرا كما انها تثير في القارئ الكوامن في عملية الكشف للعالم من خلال اصالة رائدة ونظرة عميقة لما حولها والعالم.