23 ديسمبر، 2024 2:40 م

الاحتجاج بالقرآن

الاحتجاج بالقرآن

يُطلق الطغاة لأنفسهم العنان في ان يفعلوا ما يريدون ، بعيداً عن كل الضوابط والموازين .

انهم يتشدقون ويتفاخرون بخروجهم الصريح على قواعد العدل والانصاف ، وانتهاج سياسات الجور والاجحاف .

ولقد ابتُليت هذه الأمة بورثةٍ للفراعنة والجبابرة الذين لايحسنون الا فنّ القتل والتعذيب ومصادرة الأموال ، وتعقب الأحرار والحرائر بالمطاردة ..

ومن أبرز الولاة الظلمة (زياد بن ابيه ) ، هذا العُتل الزنيم الذي لم يكن يبالي بما ينتهكه من حرمات الله، ولا بما يُوقعه في المؤمنين من فظائع..

وقد سلّطه معاوية بن ابي سفيان على رقاب الناس والياً في البصرة فأحدث من الفجائع والعجائب ما أحدث وكان كلما ازداد مروقا عن الدين ، وخروجاً على قيمه وأحكامه ، ازداد حَظْوَةً ومكانة عند من ولاّه واختاره ، انتقاماً من الناس واستخفافاً بكراماتهم وحقوقهم المهدورة .

لقد نقل لنا التاريخ خطبة لزياد بن أبيه أيام ولايته على البصرة قال فيها:

” أقسمُ بالله

لآخذن الولي بالمولى ،

والمقيم بالظاعن ،

والمقبل بالمدبر ،

والمطيع بالعاصي ،

والصحيح بالسقيم ،

مَنْ غرق قوماً غرقناه ،

ومن أحرق قوماً أحرقناه ،

ومن نقب بيتاً نقبنا عن بيته ،

من نبش قبراً دفناه فيه حيّاً ،

الى آخر ما قاله من كلماته المليئة بالمروق عن الدين ، واعتماد منهج المستبدين الطاغين …

فقام اليه ، رجلٌ فقال :

لقد أنبأنا الله بغير ما قلتَ ….

قال تعالى :

{ وابراهيم الذي وفَّى . ألا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى . وأن ليس للانسان الاّ ما سعى } النجم 37 – 39

وانت ترغمُ أنك تأخذ البرئ بالسقيم ، والمطيع بالعاصي …

فقال زياد :

” انا لانبلغ ما نريدُ منك وفي أصحابك حتى نخوض اليكم الباطل خَوضاً “

وهنا لابُدَّ لنا من وقفتين :

الأولى :

مع الرجل البطل الذي أطلق صرخته الاحتجاجية ضد الوالي الجبّار ، غير مكترث بما ينتظره من عواقب، ايثاراً للحق على الباطل، وانتصارا للقيم الحقة التي صادرها الطاغية بكل صلف ووقاحة .

ثم ان هذا البطل الشجاع توّج موقفه الخالد بذكر ما جاء به القرآن وفي ذلك من الإفحام ما فيه .

لقد أثبت الرجل للناس ان (زياداً) في واد، والقرآن واحكامه ومفاهيمه في وادٍ اخر، وهذه أكبر تعرية وفضيحة للوالي على رؤوس الاشهاد .

وهكذا يمنح القرآن أحبابه الشجاعة والجراة والقدرة على المواجهة الساخنة لقوى الظلم والظلام …

الثانية

ان الطغاة لايملكون ما يُوارون به فضائحهم الاّ الاعتراف بأنهم يخوضون (الباطل خوضاً) ..!!

ويكفي زياداً عاراً ومنقصة وانحطاطاً ، هذا الاعتراف – وهو سيد الأدلة – على انه ممن يخوضون الباطل، منطلقين من أهوائهم وطاعتهم للشيطان في الجور والعُدوان …

وأية رذيلة أكبر من رذيلة اختيار خندق الباطل والتدحرج الى سفوح الفسوق والعصيان ؟!

*[email protected]