23 ديسمبر، 2024 1:37 ص

الاثار العراقية ومأزق التهريب المستمر

الاثار العراقية ومأزق التهريب المستمر

عقد التسعينات شهد ولادة المهن المنحرفة في العراق, نتيجة ضعف القانون وانحسار سلطة الدولة, فظهرت مهن من قبيل تجارة المخدرات, وبيع العملة المزورة, وتهريب الاثار, وحتى بيع الاعضاء البشرية والنساء, فالدولة التي كانت تحكم بالحديد والنار ضربتها الحرب الكونية ثم الحصار العالمي, لتنحسر قوتها وتتوجه فقط ضد المواطن الاعزل, وبعد 2003 حيث زالت الدولة البعثية, لتتشكل دولة بنظام مختلف, ظاهره الحرية والديمقراطية, وباطنه فوضى مخيفة, مع تغييب غريب لسلطة القانون, مما جعل المهن المنحرفة تتكاثر وتنمو وتتطور, ليتحول اصحابها من ذوي الحصانة او وحوش لا قدرة على كبحهم.

الحديث هنا عن تهريب الاثار الذي ولد في سنوات الحصار, ثم كبر وتحول الى غول في سنوات الديمقراطية.

لا يمكن اخفاء الواقع المرير الذي حصل للمواقع الاثرية, حيث تعرضت للنبش والسرقة، واغلب التجاوزات التي تحدث فهي من قبل المواطنين عبر هدم الدور التراثية وزراعة الأراضي في المناطق الريفية التي تحوي على مواقع أثرية”, ان المواقع الاثرية تحتاج لحراسة وبأعداد مناسبة, بغية منع العبث والسرقة بالمواقع الاثرية.

وقد شهد العراق في اعوام 2003 – 2005 عمليات كبرى لنهب الاثار وتهريبها نتيجة حالة الانفلات واللادولة, فدخلت حتى المافيا العالمية عبر ادواتها المحلية على الخط وساهمت بسرقة الكنوز التاريخية وتهريبها, ولا يمكن نسيان فاجعة المتحف الوطني وما تعرض له من نهب وتخريب وسرقة في نيسان من عام 2003, نعم هنالك جهود لاستعادة الاثار عبر متابعة المزادات الدولية المختصة سواء في اوربا او امريكا, لكن لم تتم استعادة جميع المسروقات لحد الان.

ونوضح هنا اننا لا يمكن ان نبخس حق الجهود مديرية مكافحة الجريمة المنظمة التي أدت إلى القبض على الكثير من العصابات التي تتاجر بالآثار, الا انها بقيت في نطلق محدود بسبب فساد المنظومة السياسية, لذلك بقي عمل الجهات الامنية في نطاق الممكن.

اعتقد الحل بتشكيل جهاز امني متخصص بالأثار ومنع تهريبها, التخصص هنا هو الضامن لجهود اكبر.

 

· الاسباب الحقيقية للتهريب

 

ان ظاهرة تهريب الاثار لم تنحسر جراء استمرار أسبابها.. التي هي:

اولا: قلة الوعي لدى البعض بأهمية تلك الاثار, وعد وجود ولاء للوطن.

ثانيا: قلة عدد الحراسات على المواقع الأثرية, مقارنة مع العدد الكبير جدا للمواقع الأثرية في العراق الذي قد يصل الى عشرات الالاف وبالتالي هناك صعوبة في السيطرة عليها, مما يسهل عمليات نهب الاثار.

ثالثا: الالاف من المواقع الاثرية والتراثية لم تعلن الجهات المسؤولة في وزارة الثقافة اثريتها او تراثيتها وذلك بغية اضفاء الحماية القانونية المشددة عليها بموجب قانون الاثار والتراث رقم 55 لسنة 2002″, لذلك فهي كالمال السائب متاح للكل للعبث فيه.

رابعا: ضعف سلطة القانون مما يجعل الجريمة تتمدد وتنمو وتكبر.

 

· داعش واثار الموصل

 

تستمر عصابات محلية خارجة عن القانون بتصدير لوحات فنية تعود للعصور البابلية والسومرية، من مواقع في (سامراء وبابل وكربلاء وذي قار)، حتى تنظيم داعش الارهابي عمل في مجال تهريب الاثار, مع انه برز للأعلام بمحطم الاثار في الموصل, فقام ببيع الاثار كحال عصابات تهريب الاثار إلى دول مجاورة، منها الخليج العربي والأردن وتركيا ثم إلى أوروبا، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، لتبقى في أيد مجهولة، تحصنها بطريقة سرية، ولا تظهر هذه القطع إلا في المزادات السرية.

في الفترة 2014 الى 2018 اشتركت مع تنظيم “داعش” عصابات عراقية محلية ومليشيات ومافيات الجريمة المنظمة، فالمصلحة تجمع الشواذ, حيث تم تهريب مئات القطع الأثرية التي عثرت عليها تلك الجماعات, من دون معرفة القيمة الحقيقية أو النقدية لهذه المخطوطات والألواح والقطع والتماثيل الصغيرة والأختام، فتم البيع من قطع اثرية فقط بمئات الدولارات، لسماسرة أتراك وعرب، مع العلم أن بعض هذه التماثيل يساوي ملايين الدولارات.

 

· الأمارات واسرائيل والآثار العراقية

 

نشر موقع قناة العالم تقريرا هاما عن تورط اماراتيين بتهريب الاثار العراقية, ففي تقرير نشر بتاريخ 29-11-2019 بعنوان (إماراتيون متورطون في تهريب الآثار العراقية), حيث يتطرق التقرير الى قضية الاماراتيين فيقول: “أن العراق يتجه حاليا لمفاتحة الإمارات رسميا، من أجل استرجاع الكثير من القطع الأثرية التي اشتراها مواطنون إماراتيون بطرق غير شرعية”, وتابع أن “هؤلاء الإماراتيون يحتفظون بتك الآثار كزينة في منازلهم”، موضحا أن “حكومة الإمارات لا تمنع ذلك، ولا تصادرها، وهي دولة تربطها بالعراق علاقة جيدة، ونأمل التوصل إلى اتفاق مع بلدان خليجية أخرى”.

ويضيف التقرير أن “هناك مواجه صعبة مع كيان الصهيوني (اسرائيل)، إذْ تعمل على الاستيلاء منذ سنوات على آثار عراقية، بمزاعم أنها يهودية، وتعود إليها أصلا”, ويستمر التقرير بالإفصاح عن ان “الكيان الصهيوني، وظف سماسرة وتجارا عربا وأجانب، من أجل شراء أكبر عدد ممكن من القطع الأثرية المرتبطة بتاريخ بلاد الرافدين”.

 

 

· كلمة:

انها حرب ضد تاريخ العراق يقوم بها سفلة الامة بالتعاون مع مافيا عالمية, حيث يبيعون القطع الاثرية مقابل الدولار, مع نبش وتخريب المواقع الاثرية, ويبدو ان هنالك اهداف اخرى من قبيل رغبة اسرائيل بجمع اثار العراق باعتبارها ملكا لها, وكل هذا اعتداء سافر على العراق, لذلك على السلطة العراقية ان تعد العدة لهذه الحرب, واول خط صد يكون عبر توفير حرس امني لجميع المواقع الاثرية, وثانيا عبر توفير كاميرات مراقبة لجميع المواقع ليسهل السيطرة, ثالثا توفير جهاز امني مختص بحماية الاثار ومتابعة عصابة تهريب الاثار, رابعا تشكيل فريق قانوني لمتابعة المزادات العالمية لاسترداد الاثار المسروقة.