لم تحظ قضية باللغط والتأويل والتفسير مثل الاتفاق النفطي الذي عقده الدكتور عادل عبد المهدي وزير النفط مخولا من الحكومة المركزية مع حكومة اقليم كردستان قبل اسبوع. ورغم ان الاتفاق ما زال مبهما وغير معلن بصورته الكاملة وقيد تفاوض مرحلي الا انه ما زال لا يستحق ما اثيرت حوله؛ من ضجة اعلامية ، على الاقل لو اعتبرناه خطوة اولى لحلحلة مشاكل مستعصية مع الاقليم .
لكن هذا الاتفاق والضجة اثارت قضايا اخرى على درجة كبيرة من الاهمية والحساسية ، منها:
ذهاب البعض الى ان الاتفاق الذي عقد هو اتفاق غير قابل بالمساس وكانه قضية بين دولتين او اتفاق اقليمي لتقاسم ثروات مشتركة ، وليس اتفاق وشأن داخلي عراقي يخضع لمباديء القانون والدستور ، وفي ذلك اضرارا وخسارة لمصلحة العراق ووحدة اراضيه.
الحديث عن توسيط تركيا في استلام موارد نفط كردستان وتسليمها الى الحكومة المركزية يعتبر خرقا للسيادة الوطنية وخسارة جسيمة للعراق ، لانها طرف خارجي في اتفاق داخلي ، وكان الافضل الركون الى المؤسسات الوطنية المختصة او الدولية او الشركات البنكية الرصينة لتولي هذه المهمة.
سكوت الحكومة المركزية رئيسا وناطقين عن الرد على الحملة الاعلامية التي شنت على الاتفاق ومن عقده ، علما ان مسؤولية الحكومة تضامنية في النظام البرلماني يتحمل مسؤوليتها الجميع من رئيس مجلس الوزراء الى نوابه الى كافة الوزراء ، وفي ذلك خسارة للعراق لاننا ما زلنا نعمل بعقلية عقدة الانتماء للحزب لا العمل والاخلاص للعراق.
استخدام منصة البرلمان الاعلامية وادواته في الاستجواب وسيلة للعودة الى اساليب التسقيط التي يفترض ان غادرها المهتم بالبلد والحريص على مواجهة مخاطر داعش بدل تسقيط الوزراء ، يعتبر خسارة للعراق لانه يعيد نفس الدوامة التي ادخلت داعش علينا اول مرة.
ان الحكومة المركزية وحكومة الاقليم يجب ان تتحمل المسؤولية كاملة في توضيح الاتفاق النفطي للجمهور قبل وبعد اتمامه كما يجب ان يتصدى المتحدثين باسم الحكومة ورئيس مجلس الوزراء للامر وللاعلام وما يثار تجاه الحكومة او احد اعضاءها ولا يتركون ذلك عرضة التأويل والتحليل والمس بالمؤسسات وآخرها اجراءات تغيير القادة الامنيين التي تسربت بشكل وظهرت باخرى ، مما اعطى انطباعا ان الفرق بين التغييرات كان عرضة للمساومات وكذا الاتفاق النفطي يجب ان يوضح بشكل مفصل امام الاعلام والرأي العام ، حتى لا نقع بنفس المطب.
كما ان البرلمان يجب ان يكون حريصا على ضمان انسيابية عمل الحكومة ومراقبتها بدقة بدلا من ان يقوم بالطعن بالوزراء او استجوابهم على امر واشغالهم بآخر.. بل كان عليه اصلا ان يشرع قانون النفط والغاز او يعرض مسودته المركونة منذ سنوات لقراءة اولى والذي لو اقر لانتهت كافة تلك المشاكل ان لم نقل انها لم تقع اصلا.
واخيرا ، الاتفاق تم ودخل حيز التنفيذ منذ لحظة وصول الدفعة الاولى من ال ١٥٠ الف برميل الى منصات ميناء جيهان التركي قبل ثلاثة ايام ، وقيام الحكومة المركزية بتحويل ٥٠٠ مليون دولار جزءا من مستحقات موظفي الاقليم وفقا للاتفاق ..
لكن ما يؤخذ على صيغة الاتفاق وما رافقه من لغة تعطي انطباعا بانه وقع بين دولتين بوساطة اقليمية تركية وبعبارات دبلوماسية لا تستخدم في الشؤون والقضايا الداخلية مثل “حسن النوايا والمعاملة بالمقابل” .. وان كان الاتفاق انجازا بحد ذاته لحكومتي المركز والاقليم والوسيط التركي ووزير النفط في عبور ازمة داخلية متراكمة اثقلت كاهل البلاد لعامين ، فانه يبقى رغم ذلك خسارة للعراق حتى يعلن عكس ما ذكرنا في الفقرات اعلاه تماما.