يتساءل كثير من الناس بحيرة واستغراب شديدين، عن السر الكامن وراء تقهقر القوات العسكرية والأمنية في الشهور الأولى لاجتياح عصابة او شرذمة من الشراذم لاتمتلك عقيدة تدافع من أجلها.. ولا دينا تستند على تعاليمه.. ولا نهجا سويا تنتهجه.. ولا قضية تؤمن بها وتستميت من أجلها. تلك هي عصابات داعش التي أثبتت أمام العالم أجمع -حتى صانعيهم ومموليهم ومسانديهم- أنها لاتدخل أرضا إلا لتعيث فيها فسادا.. وتسفك الدماء.. وتهتك الأعراض.. وتخرب الديار.. وتحرق اليابس والندي.. وتسرق ماخف وزنه وما ثقل، ومازاد ثمنه وما قل على حد سواء. وقطعا أول من استشعر بخطورة هذه العصابات هم شيوخ آل سعود أنفسهم، بعدما لاحت رؤوس حراب داعش، وهي تلوح للوصول الى رحمهم الأم في عقر شبه الجزيرة العربية، ومن المؤكد ان الهدف هذه المرة سيطال ما تضمه مكة المكرمة، وكذلك المدينة المنورة -وهذا ديدنهم ودأبهم- وتشهد لهم بهذا المراقد والمزارات والمقامات، وبيوت الله في سوريا ومحافظات العراق لاسيما الموصل، أي أن السحر ينقلب على الساحر ولو بعد حين.
ولا أظن أن العراقيين -بقلوبهم الطيبة- يرضيهم هذا الفعل، على الرغم مما جنوه من هذا الجار طيلة الإثني عشر عاما الماضيات، فالعراقيون من المسلمين لهم ولاء مطلق لدينهم ولعقيدتهم ونبيهم وأئمتهم، سواء أسنّة كانوا أم شيعة! ولرموز الطائفتين مكانة معززة مكرمة عند الطرفين -الأسوياء منهم حصرا- كما هم يقدسون جميع الأديان السماوية، وللكتابيين حقوق كما هي حقوق المسلمين، بل هم يحترمون الأقليات من الطوائف الأخرى التي تعايشوا معها منذ نشوء حضارة وادي الرافدين حتى اليوم. ومن غير المعقول قطعا قبولهم بأن تمس قوى الشر كعبتهم وقبلتهم، او مسجد نبيهم صلوات الله عليه وسلامه.
إن سكوت الصالحين عن التجاوزات الجامحة والسافرة التي قامت بها عصابات داعش في محافظات العراق، لاتقل ضررا عن أدوار الطالحين الذي أسهموا باموالهم او أقوالهم او أفعالهم.. او بخيانتهم وتواطئهم، والتي أدت بمجملها الى توفير مواطئ أقدام للأوباش القادمين من كهوف الضلالة والتخلف، او من رحم الوهابية المتمركز في جسد آل سعود، وكأنهم في حملة تترية مغولية مكملة لتلك التي قام بها هولاكو. وما اتخاذ ملوك الصحراء جانب الصمت منذ اللحظة الأولى لاجتياح عصابات داعش أراضي العراق، إلا دليل على إصغائهم التام ومتابعتهم الدؤوبة لتقدم داعش في مدن العراق، فأرباب الحجاز يعدون هذا نصرا حاسما لهم، وكيف لايكون نصرا..! وفيه مهلكة للعراقيين وضياع لحاضر العراق ومستقبله.
إن ماقامت به عصابات داعش من نهش وتخريب داخل الجسد العراقي، هو أمر حتمي، فما عسى أن يفعل تلاميذ تدربوا على التلذذ بالقتل والحرق واللعب بالرؤوس، كما أن الصمت المطبق الذي تحلى به نظام آل سعود، ينم عن قبول واسع وتأييد تام من أعراب الحاضن الأول للفكر الوهابي، والممول الأكبر لأولاده وأحفاده، ويبدو أن الظن الذي كان البعض يظنه، في أن الولد أصبح عاقا وخارجا عن طوع أبيه هو ظن خاطئ، فالولد مازال مطيعا وخادما لما يأمره به أبوه، فبئس الولد وتعسا للوالد القابع في صحراء نجد.