23 ديسمبر، 2024 3:55 ص

الإنسداد السياسي في العراق… ومتاهات الفراعنة

الإنسداد السياسي في العراق… ومتاهات الفراعنة

يبدو المشهد السياسي في العراق مثل متاهات الفراعنة أو دهاليزهم السِريّة كمن يحاول الخروج من غرفة مظلمة عِبرَ باب دوار حتى يجد نفسه قد عاد إليها من جديد.

طبقة سياسية لاتتعلم أبداً من التأريخ ودروسه ومن الذين سبقوهم ولاتُفيد بهم تلك اللحظات المفصلية التي أُتيحت لهم لإدارة سُلطة في بلد مثل العراق بإتجاه الإصلاح بعد أن كانت أدبياتهم تَلعن من سبقهم في طُغيانه وديكتاتوريته. لم يحاولوا ولو قليلاً عندما حكموا العراق بعد عام 2003 من تحليل سلوكياتهم ومواقفهم وتوجهاتهم السياسية أو حتى خُططهم المُستقبلية.

غابت عنهم أي مُراجعة نقدية للذات أو تقويم الأخطاء التي مارسوها مع إدراكهم أن كل مايُحيط بهم من متغيرات دولية وإقليمية تُنذر بأنهم سيكونون داخل العاصفة القادمة وأن لامَنجى لهم من آثارها وأضرارها، إلا أن معاركهم الضارية كانت دائماً في سبيل التفوق على بعضهم أو الإنتصار عليهم وإقصاء المُنافسين أو تعطيل الحياة مهما بلغت أضرارها على حياة المواطن العراقي وكُلاً منهم يدور في حلقة مُفرغة بعيداً عن الآخرين في محاولات فردية للنيل من السُلطة والنفوذ، وهو إستنتاج إكتشفه الباحث الفرنسي (ستيفان لاكروا) في كتابه (زمن الصحوة) مؤكداً على خِيار الإستفراد بالسُلطة بكل مايؤتى من قوة وتمييع مطالب المجتمع الإصلاحية وتحويلها إلى مطالب فئوية أو مذهبية لتكون في المُحصلة مُفرغة من أي محتوى وطني.

من المؤكد أن موجة تظاهرات تشرين شكّلت صدمة أربكت السُلطة لأنها خرجت من عباءة الشعب دون الأحزاب التي إعتادت أن تُنظم هذه التجمعات، وكانت فرصة للقوى الوطنية من أجل حشد مزيد من التأييد لمطالب الإصلاح السياسي عندما إرتفع سقف هذه المطالب، إلا أن هذه الفرحة لم تكتمل عندما حاولت الأحزاب المؤتلفة في الحُكم الإلتفاف على هذه المطالب وإستبدال السُلطة الحاكمة آنذاك بنفس الوجوه والأدوات، كما يقول المثل العراقي (بَدّلنا عَلّاوي بِعلِيوي)، وبعد كل الذي حصل إستطاعت المنظومة السياسية أن تُحقق إنجازاً سياسياً أو هكذا ظنّت عندما تمكنت من تدوير الوجوه والسياسات الخاطئة لتصل إلى هذه المرحلة الراهنة من لحظة الإنسداد التاريخي الذي يُنذر بإنفجار لا يُبقي ولا يَذر، وما شجّع على ذلك هو التناغم الخارجي لسياسات قوى إقليمية ودولية ترغب ببقاء هذا الوضع المتوتر الذي تُسيّره وفق ماتقتضيه مصالحها أو سوء تقدير من السُلطة لهذه اللحظات التاريخية أو المفصلية.

مرحلة الجمود التي تجتاح العراق اليوم تستوجب بناء كُتلة وطنية أو تاريخية عابرة للمذاهب والطوائف تسعى إلى التغيير الشامل وتُعطي الأولوية للإصلاح السياسي وإلى إنهاء حُكم التفرّد والإنتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي وليس مُزيف وأن يكون مشروع إصلاحي يشترك فيه الجميع دون تخوين أو إستثناء، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو.. هل تستطيع السُلطة بأحزابها التي تستأثر بالمغانم والنفوذ أن تكون

سمير داود حنوش
الإنسداد السياسي في العراق… ومتاهات الفراعنة
يبدو المشهد السياسي في العراق مثل متاهات الفراعنة أو دهاليزهم السِريّة كمن يحاول الخروج من غرفة مظلمة عِبرَ باب دوار حتى يجد نفسه قد عاد إليها من جديد.

طبقة سياسية لاتتعلم أبداً من التأريخ ودروسه ومن الذين سبقوهم ولاتُفيد بهم تلك اللحظات المفصلية التي أُتيحت لهم لإدارة سُلطة في بلد مثل العراق بإتجاه الإصلاح بعد أن كانت أدبياتهم تَلعن من سبقهم في طُغيانه وديكتاتوريته. لم يحاولوا ولو قليلاً عندما حكموا العراق بعد عام 2003 من تحليل سلوكياتهم ومواقفهم وتوجهاتهم السياسية أو حتى خُططهم المُستقبلية.

غابت عنهم أي مُراجعة نقدية للذات أو تقويم الأخطاء التي مارسوها مع إدراكهم أن كل مايُحيط بهم من متغيرات دولية وإقليمية تُنذر بأنهم سيكونون داخل العاصفة القادمة وأن لامَنجى لهم من آثارها وأضرارها، إلا أن معاركهم الضارية كانت دائماً في سبيل التفوق على بعضهم أو الإنتصار عليهم وإقصاء المُنافسين أو تعطيل الحياة مهما بلغت أضرارها على حياة المواطن العراقي وكُلاً منهم يدور في حلقة مُفرغة بعيداً عن الآخرين في محاولات فردية للنيل من السُلطة والنفوذ، وهو إستنتاج إكتشفه الباحث الفرنسي (ستيفان لاكروا) في كتابه (زمن الصحوة) مؤكداً على خِيار الإستفراد بالسُلطة بكل مايؤتى من قوة وتمييع مطالب المجتمع الإصلاحية وتحويلها إلى مطالب فئوية أو مذهبية لتكون في المُحصلة مُفرغة من أي محتوى وطني.

من المؤكد أن موجة تظاهرات تشرين شكّلت صدمة أربكت السُلطة لأنها خرجت من عباءة الشعب دون الأحزاب التي إعتادت أن تُنظم هذه التجمعات، وكانت فرصة للقوى الوطنية من أجل حشد مزيد من التأييد لمطالب الإصلاح السياسي عندما إرتفع سقف هذه المطالب، إلا أن هذه الفرحة لم تكتمل عندما حاولت الأحزاب المؤتلفة في الحُكم الإلتفاف على هذه المطالب وإستبدال السُلطة الحاكمة آنذاك بنفس الوجوه والأدوات، كما يقول المثل العراقي (بَدّلنا عَلّاوي بِعلِيوي)، وبعد كل الذي حصل إستطاعت المنظومة السياسية أن تُحقق إنجازاً سياسياً أو هكذا ظنّت عندما تمكنت من تدوير الوجوه والسياسات الخاطئة لتصل إلى هذه المرحلة الراهنة من لحظة الإنسداد التاريخي الذي يُنذر بإنفجار لا يُبقي ولا يَذر، وما شجّع على ذلك هو التناغم الخارجي لسياسات قوى إقليمية ودولية ترغب ببقاء هذا الوضع المتوتر الذي تُسيّره وفق ماتقتضيه مصالحها أو سوء تقدير من السُلطة لهذه اللحظات التاريخية أو المفصلية.

مرحلة الجمود التي تجتاح العراق اليوم تستوجب بناء كُتلة وطنية أو تاريخية عابرة للمذاهب والطوائف تسعى إلى التغيير الشامل وتُعطي الأولوية للإصلاح السياسي وإلى إنهاء حُكم التفرّد والإنتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي وليس مُزيف وأن يكون مشروع إصلاحي يشترك فيه الجميع دون تخوين أو إستثناء، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو.. هل تستطيع السُلطة بأحزابها التي تستأثر بالمغانم والنفوذ أن تكون مُستعدة للتفريط بهذه المُنجزات؟ نعتقد أننا مُخطئين حين نظن ذلك فهؤلاء ليسوا مُستعدين للتفريط بأبسط مَغنم فكيف بما هو أكبر، وهو مايجعل التمسك بتلابيب السُلطة يزداد تَعنُتاً وقوةً وإيغالاً وتلك هي مُشكلة العراقيين في نظامهم السياسي الذي كان يُنتج سُلطة مُتعنتة لايتم إزاحتها إلا بِطُرق أقل ماتُوصف بالبشاعة ونهايات مأساوية تكون خواتيمها إما الإعدام أو الشنق أو حتى السَحل.

مُستعدة للتفريط بهذه المُنجزات؟ نعتقد أننا مُخطئين حين نظن ذلك فهؤلاء ليسوا مُستعدين للتفريط بأبسط مَغنم فكيف بما هو أكبر، وهو مايجعل التمسك بتلابيب السُلطة يزداد تَعنُتاً وقوةً وإيغالاً وتلك هي مُشكلة العراقيين في نظامهم السياسي الذي كان يُنتج سُلطة مُتعنتة لايتم إزاحتها إلا بِطُرق أقل ماتُوصف بالبشاعة ونهايات مأساوية تكون خواتيمها إما الإعدام أو الشنق أو حتى السَحل.