23 ديسمبر، 2024 5:14 ص

الإنسان في رواية تسارع الخطى للروائي الكبير احمد خلف

الإنسان في رواية تسارع الخطى للروائي الكبير احمد خلف

كيف تبدو شخوص رواية تسارع الخطى للروائي الكبير احمد خلف وهي تغامر من اجل إثبات وجودها على جدران البقاء ؟
ففي مناخ موحش وتكتنفه الكآبة والعنف والموت الذي يلاحق الجميع ( الم تسمع بالعشرات ممن ضاعوا ولا يتذكرهم احد ) تعيش حيوات تعاني الإحباط والاستلاب والقهر … وتعيش مصيرا تراجيديا وهي المكبلة و أيضا تقاوم وتحلم !!

ففي المدينة التي هجرها الأمان تعيش شخصيات الرواية قلقة وخائفة تتخبط في متاهات شاسعة وتعيش ظروفا بالغة التعقيد لا تخلو من المفاجآت التي تبدو عسيرة على الفهم او طغيان الحقد والرغبة بالانتقام مما يجعلها عاجزة عن مواجهة مصيرها مثل بطل رواية الغثيان لسارتر (وجود الإنسان لا مبرر )

لقد اخضع الروائي احمد خلف شخوصه لمقاييس صارمة لتبدو الرواية تشابه الأثر الذي يحدثه الفن السينمائي فتشعر بصوت الخطى المتسارع ( وهي تصنع لحنها الخاص ) بمهارة فائقة والمنولوج الداخلي وتداخل تفاصيل الإحداث مع البعض في اشتباك غامض ليسحب القارئ لكل حواس البطل وتقلبات حياته وفي غمرة الاسترجاع يتدخل الحاضر بقوة ويتضخم الإحساس بعدمية الأشياء خصوصا وان البلاد ( ضاعت بين اللصوص والقتلة )

ماذا يفعل بطل الرواية عبد الله الذي ( لا يجيد مهنة غير الفن ) وهي إشارة إلى إن صناع الحياة والجمال هم أكثر الناس فقرا ومعاناة وغربة , كما إن اختيار الاسم له دلالاته في تعويم الاسم بين مكونات المجتمع العراقي , فهاجس البطل بعد الفرار من خاطفيه بمساعدة ( فاطمة ) أكمال مسرحيته ( الصرة ) ويحلم بانجازها تخليدا لذكرى أم عباس العراقية التي كانت تبيع الملابس لتستلم بطيبة ووداعه صرة من إرهابي لتنفجر وتحصد أرواحا بريئة جاءت إلى السوق في التوقيت الخطأ … ليختار لها عنوانا صادما لمسرحيته ( الصرة أرسلت من جهنم )

إن اختطاف عبدالله في الوقت الذي يتهيأ فيه لمقابلة حبيب بنت أخته أسماء التي سلبها رياض الأميري اعز ما تملك إلا إشارة إلى المشهد السريالي الذي طبع حياتنا ببصمته الواضحة

ان الإنسان المسحوق والمهمش هم إبطال رواية تسارع الخطى بدءا من فاطمة التي أنقذت عبد الله من خاطفيه في لحظة صخب تدوي في رأسه دون ان يعرف تبريرا محددا لسبب

إقدامها على خطوة لو فشلت كلفتها حياتها , وأسماء بنت أخت عبدالله التي تتمنى تجنب أسئلة مخيفة بعد حادثة اللقاء العاصف في بيت أم فيصل مع زميلها في الكلية رياض الأميري( ابن تاجر مواد زينة ) و أبو العز صديقة الأثير وهاشم دقله وأم أسماء التي تذكر عبدالله بالأم الشجاعة لبريشت وهي تواجه الحياة بصلابة بعد موت زوجها بتفجير في مقهى في العامرية ..مقابل اللصوص والخاطفين وام فيصل التي لا تعرف أسماء ( أهي سيدة فاضلة آم مجرد قواده ) وصاحب العقال ورواد الحانة ..هم جميعا ضحايا الحياة التي تقيأت فوضى ولصوصية وخوف ,

كما إن الروائي احمد خلف لا يخفي سخريته من العصر وهو ينحدر بسرعة نحو التخلف (هل لك إن تشرح لرجل من أهالي حي التنك , معنى روح العصر , وهو بدوره سيقول لك : الناس هنا في حي التنك وكذلك في حي طارق وإحياء أخرى , لم يسمعوا بمعنى العصر نفسه ولا يدركون في إي عصر يعيشون يا سيدي ! ) إن اختيار الإحياء الشعبية مسرحا للرواية هو الانحياز الواضح للفقراء وهم يعيشوا أسفل قاع الحياة تلاحقهم المفخخات والعبوات اللاصقة والاغتيالات الكيدية والمجتمع يفقد بالتدريج قيمه الاجتماعية والأخلاقية

ان الأسئلة الضخمة التي تطرحها الرواية تظل الإجابات عسيرة خصوصا ان عبدالله الإنسان العراقي ( لا يجيد الدفاع عن نفسه ) بل هو ظلا”باهتا لقوى تتحصن في اللاوعي وتعلن عن نفسها في مظاهر ملتوية من الأحلام والعقد وانه وسط لعبة مكشوفة وخائبة ويحتج بلطف تجاه خيبات لاحقته في عمله كمسرحي ( بماذا تفيدك المسرحيات التي تتحدث عنها بحسرة ووجع ) او في زيجاته التي انتهت بالفشل

يقول شتاينبك في روايته عناقيد الغضب ( لدينا شيء سيء من صنع الإنسان وهذا يمكن تغييره) هل نحمل تفاؤل شتاينيك .. رغم ان كل المساحيق لا تستطيع إن تخفي وتحجب القبح على وجه الحياة المكفهر ! والأرض التي تؤذن بالفقد والفجيعة والرحيل

لم يتعامل الروائي الكبير احمد خلف في روايته ( تسارع الخطى ) كما يقول ماركيز عن كتابة رواياته ( لا أتعامل بطريقة جاهزة كما لو كانت حقيبة أضع فيها كل ما أريد واخرج بها ) بل انه وضع في هذه الرواية خلاصة لتجربته الروائية التي انطلقت منذ ستينيات القرن الماضي واستخدم فيها السرد المدهش والأسلوب ذو الليونة كسر فيه جفاف السرد الممل واختار شخوصه بعناية فائقة

أن رواية ( تسارع الخطى ) رواية كبيرة كشفت يوميات وطن مصاب بالشلل ويعيش كابوسا حقيقيا