18 ديسمبر، 2024 12:17 م

الإنسان الكامل في مقابل ذهنية الإنحطاط / الإمام عليّ بن أبي طالبٍ ((ع)) أنموذجاً

الإنسان الكامل في مقابل ذهنية الإنحطاط / الإمام عليّ بن أبي طالبٍ ((ع)) أنموذجاً

قال الله عزَّ وجلّ: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ)).

وقال عزَّ من قائلٍ: ((يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)).

وقال رسول الله ((ص)): ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال ((ص)): من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: غدا ترون أيامي، ويُكشف لكم عن سرائري، وتعرفونني بعد خلوِّ مكاني، وقيام غيري مقامي.

يتحدَّثون عن الغدير حديثاً تقليدياً في العادة قوامه سرد مصادر الحديث في الكتب المعتبرة وما إلى ذلك، لكني أريد ها هنا أن أخالف هذا الأسلوب، لأنه لم يعد منتجاً في رأيي، بل عاد مستهلكاً وممجوجاً في نظر ذوي الثقافة والفكر من الشباب وغيرهم على وجه الخصوص.

نحن نقول: إنَّ الناس كانوا بحاجةٍ إلى التربية الروحية والدينية بعد وفاة النبيّ ((ص))، وأنَّ عليّ بن أبي طالبٍ هو الرجل الذي اجتباه الله سبحانه لأداء هذه المهمَّة، وقد تأخَّر تقدُّم البشرية عموماً والمسلمين خصوصاً لأنَّ الناس لم يستوعبوا الأطروحة الإلهية باختيار عليّ بن أبي طالبٍ لخلافة النبيّ، فقدَّموا عليه من هو أقلُّ علماً ومقدرةً على أداء المهمّات الرسالية، أو قل إنهم قدَّموا أناساً نظروا إلى فضائل عليّ بن أبي طالبٍ فضاقوا بها ذرعاً، وشاؤوا أن يبعدوها عن ساحة العمل والتأثير حتى وإن كانت تؤدِّي إلى خير الناس أجمعين، فما دامت المصالح الشخصية مهدَّدةً بهذه الفضائل التي تنفع الناس عامةً، فهي فاقدةٌ للقيمة في نظر الإنتهازيين، بل يجب أن تُحارب بكلِّ ما أوتوه من أسباب الحيلة والقوة والمكر بطبيعة الحال.

لقد كشف أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه المحنة عندما تصدّى لقيادة الأمة بعد حادثة قتل عثمان، فخاطب الناس بقوله:”ألا لا يقولنّ رجالٌ منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار وفجَّروا الأنهار وركبوا الخيل و اتَّخذوا الوصائف المرقَّقة، إذا ما منعتهم ما كانو يخوضون فيه وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون: حرمنا ابن أبي طالبٍ حقوقنا، ألا و أيّما رجلٍ من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول اللّه يرى أنَّ الفضل له على سواه بصحبته، فإنَّ الفضل غداً عند اللّه. فأنتم عباد اللّه، و المال مال اللّه، يقسَّم بينكم بالسويّة ولا فضل فيه لأحدٍ على أحد”.

صدِّقوني لم يكن أحدٌ ليمانع أن يكون عليٌّ عليه السلام هو الخليفة بعد النبيّ مباشرةً لو أنهم فقط أمنوا من الإمام عليٍّ أن يترك هذه السياسة، فلا آيات السماء ولا أحاديث الرسول في الغدير او غير الغدير بالتي تجعلهم يقدِّمون الكفء على غير الكفء إلا أن بتنازل هذا الإمام الكفء عن منطق العدل الصارم ويلبِّي الطموحات الشخصية لذوي الفاعلية والتأثير في تحريك ماكينة السياسة.

إذن من هنا يجب الدخول إلى دراسة عليّ بن أبي طالب، ومن هنا أيضاً يجب أن نفتح نوافذ الإستفادة للأجيال البشرية من هذه الشخصية الإلهية الإستثنائية العظيمة.

بناءً على ذلك، فإنَّ أغلب السياسيين اليوم سوف يتآمرون على عليّ بن أبي طالبٍ في حال عودته، لأنه سيحرمهم من هذه البيوت الشاهقة، ويرجِّلهم عن السيارات المظلَّلة، ولا يقرُّ لأفضلهم من الأجر إلا ما يتسلَّمه أيُّ موظَّفٍ عاديٍّ في نهاية كلِّ شهرٍ، بعد أن يتكفَّل له بكلِّ مستلزمات العمل بطبيعة الحال.
إنَّ أهمَّ الدروس التي يمكن استخلاصها من مدرسة الإمام عليٍّ عليه السلام هي تلك الدروس التي يتضايق منها أغلب الأتقياء اليوم، بمجرَّد أن تكون لهم صلةٌ ما بالعمل السياسيّ من أيِّ نوعٍ، وما ذلك إلا لأنَّ تشيُّعه لهذا الإمام ليس تشيُّعاً مدروساً في الحقيقة، بل هو تشيُّعٌ موروثٌ لا فضل له فيه مطلقاً، فلو ولد في مجتمعٍ لا يقيم وزناً لولاية علي بن أبي طالب لكان يتعصَّب لمعاوية كما يتعصَّب لعليٍّ عليه السلام الآن، لأنَّ التشيُّع المدروس يحتِّم على صاحبه اعتناق معتقدات الإمام الدينية والسياسية والإجتماعية إلخ، أما لو أحبَّ علياً مثلاً، وصدر في آرائه وقراراته وما إلى ذلك من السيرة المقابلة لأعدائه، فأين يُحشر مثل هذا الشخص في رأيكم إلا في طابور أولئك الطواغيت الكبار من أعداء عليٍّ عليه السلام.

إنَّ من لا يقدِّرون منهج الحقِّ والعدل والإستقامة في السياسة، لهم أساليبهم في إقصاء الكمَّل من الناس في كلِّ العصور، وقد تجلّى هذا المعنى في محنة أمير المؤمنين أكثر مما تجلى في محنة أيِّ إنسانٍ آخر في التأريخ، وهذا ما تكشف عنه الخطبة الشقشقية الشهيرة، فإذ ذكر الإمام ذريعة الخليفة الأوَّل في تسنُّم الخلافة، مع علمه أنها لعليٍّ خاصةً، وهي الشورى، فقد قام بتفنيدها بمختلف الحجج والأدلة النقضية والحلية في المناسبات المختلفة، وهي معروفةٌ للجميع، ذكر بعدها أنَّ الإنتهازيين سرعان ما ينقضون مبدأ الشورى نفسه، بعد أن كان حجتهم الوحيدة في التجاوز على الحقّ، فمن المعلوم أنَّ الخليفة الثاني تسلَّم الخلافة عن طريق الوصية والعهد من الخليفة الأوَّل، وليس بالشورى كما يتوهَّم البعض، ومع ذلك لم يستقروا على المبدأ الجديد، فقد نقضوه أيضاً ليعودوا إلى مبدأ الشورى وفق صيغةٍ معدَّلةٍ تخدم أغراضهم، يقول الإمام: ((حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ – يقصد الخليفة الثاني- جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى مَتَى اِعْتَرَضَ اَلرَّيْبُ فِيَّ مَعَ اَلْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ اَلنَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ اَلْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَنٍ إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ اَلْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اَللَّهِ خِضْمَةَ اَلْإِبِلِ نِبْتَةَ اَلرَّبِيعِ)).
إذن عادوا إلى المبدأ الشورويّ أو الديمقراطيّ من جديدٍ، لكن وفق هذه الصيغة المعدَّلة كما قلنا، وهي أن تكون ضمن جماعةٍ محددةٍ بعددٍ معيَّن، وهم يعلمون أنَّ الأمور سوف تنتهي إلى غايةٍ يريدونها لا غير، فليطمئنَّ الجميع لأنَّ منهج القسطاس المستقيم سوف يكون خارج دائرة الحكم في نهاية المآل.

إنَّ بإمكان الإنتهازيين المسيطرين على مقاليد الأمور اللعب بالأوراق بالطريقة التي يشاؤونها، حتى الديمقراطية فإنها أسوأ الأنظمة على الإطلاق في المجتمعات التي لا يمتلك فيها أفراد المجتمع تربيةً روحيةً ووعياً عالياً، فإذا كان المجتمع بالإضافة إلى ذلك فاقداً للقدرة على اتخاذ القرار المستقلّ، فإنَّ الطامَّة ستكون أدهى طبعاً، ولهذا فإنَّ علياً عليه السلام أقصته الديمقراطية من الحكم، ولم ينتخبه من الصحابة إلا أربعة أشخاصٍ لا غير، هم المقداد وعمار وسلمان وأبو ذرّ، وكان للآخرين إراداتٌ بعيدةٌ عن اختيار الإمام للخلافة على أية حال.

ألا تعساً للديمقراطية عندما تكون باباً لإقصاء عليّ بن أبي طالبٍ من الخلافة، فمن كان شامخاً في دينه وأخلاقه وعلمه وشخصيته كعليّ بن أبي طالبٍ فهو فوق الديمقراطية والديمقراطيين في جميع الأزمان.

لقد كانت نتيجة الديمقراطية التي ارتقى عثمان منصة الحكم على أساسها مأساويةً بالفعل، فلقد بلغت أموال بعض خاصَّته وأقربائه حداً أنهم كانوا يكسرون معه الذهب الذي في حوزتهم بالفؤوس، مع أنَّ الملايين من الناس في المدينة وسائر الأمصار لا يجدون قرص الشعير، ولكم أن تتخيلوا ظلم الولاة على ولاياتهم وما يصحب ذلك من الأوضاع المتردِّية على كافَّة الأصعدة.

ثمَّ كانت نتيجة هذه الديمقراطية التعيسة أن يُنفى أبو ذرٍّ ذلك الصحابيّ العظيم إلى منطقة تمتاز بأوضاعٍ بيئيةٍ قاهرةٍ وهي الربذة ليموت فيها وحيداً في آخر المطاف.

لقد بلغت عائدات الثروة التي تدخل بيت مال المسلمين حداً غير معقولٍ في زمن عثمان، ولكنَّ الجوع كان منتشراً إلى حدٍّ غير معقولٍ بمحاذاة ذلك، فإذا فقدت الأمَّة السياسيين الذين ((يقدِّرون أنفسهم بضعفة الناس)) على منهج العدل الصارم كما يقول الإمام في نصٍّ آخر، فمن المحال أن تكون الزيادة في ثروات البلاد باباً من أبواب انتشار الرفاهية الإقتصادية على مستوى عموم الناس، ومن يعتقد غير ذلك فلينظر إلى العراق اليوم على سبيل المثال، فالسياسيون أنفسهم يقولون إنَّ ثروة العراق فوق حدود التصوُّر، لكن أخبروني عن عدد الجائعين في العراق اليوم، وأخبروني عن عدد الذين لا يجدون خمس دولاراتٍ في جيوبهم لشراء شيءٍ ضروريٍّ أو كماليٍّ لأطفاله في العراق، هذا في حين أنَّ السياسيين لا يخجلون من المطالبة بزيادة رواتبهم التي بلغت عشرات الملايين للفرد الواحد منهم على شاشات التلفاز.

إنها مهزلة الديمقراطية أيها السادة عندما تكون ديمقراطيةً مشوَّهةً يديرها أفرادٌ لهم قلوبٌ قست فهي كالحجارة أو أشدُّ قسوةً، مع أنهم يدَّعون التشيُّع للإمام عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام في الليل والنهار.

فإذا أبصر الناس العاقبة السيئة لاختيارهم السابق، وتُوِّجت في النهاية بكوارث اقتصاديةٍ وسياسيةٍ واجتماعيةٍ وأخلاقيةٍ لا تُحتمل، انتبهوا من غفلتهم انتباهةً مؤقَّتةً وليست دائمةً مع الأسف، فعادوا إلى من لم ينتخبه سوى المنفيين إلى الربذات، لينقذهم من الكارثة، لا على أساس اختيار الله له طبعاً، بل على أساس اختيارهم هم، ليحتفظوا بالمبدأ الذي يحفظ لهم امتيازاتهم في المستقبل بعد النجاة من الكارثة والعودة إلى حياة الإنتهازية من جديد. يقول الإمام: ((فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَ اَلنَّاسُ كَعُرْفِ اَلضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ اَلْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ اَلْغَنَمِ)).

لكنَّ الإمام يعلم أنهم في محنةٍ ليس إلا، وأنَّ نفوسهم على حالها لم تتغيَّر، فهم يريدون أن ينهض الإمام بالمسؤولية الآن لأنَّ هناك مشاكل جمَّةً تحفُّ بالخلافة لا يستطيع أيُّ فردٍ من الإنتهازيين أن يقوم بها، فإذا نهض الإمام حاصروه، وطالبوه بما منحهم إياه عثمان، ولن يتنازلوا عن الإمتيازات الخاصَّة وما إلى ذلك على حساب جوع الشعب المسلم، فحتى طلحة والزبير وهما ممن أيَّد علي بن أبي طالب بعد وفاة النبيّ مباشرةً،انقلبا عليه بعد ذلك، فهما يريدان علياً لكن بشرط أن يكون عثماناً نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وهما ينتخبان علياً لكن على أن لا يفارق نهج الديمقراطيين اللصوص في جميع القرارات التي يتخذها على صعيد إدارة الدولة.

إنهما ينتخبانه علياً تاجراً، وليس علياً صراطاً مستقيماً كما وصفه الله عزَّ وجلَّ في محكم الكتاب. ولهذا يقول الإمام: ((فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اَللَّهَ حَيْثُ يَقُولُ تِلْكَ اَلدَّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . بَلَى وَ اَللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ حلِيَتِ اَلدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا)) فليس كلُّ ما يعرفه الإنسان يتصرَّف بموجبه، لأنَّ بعض ما يعرفه لم يصل إلى مرتبةٍ عاليةٍ من الرسوخ، بحيث يصل إلى ذلك المستوى الذي سماه القرآن بعين اليقين، حيث يتيقَّن الإنسان بما لا يسمح بوجود أيِّ مقدارٍ من الريب بزوال الدنيا وبقاء الآخرة، هذا إن كان الإنسان يعمل بمنطلقاتٍ دينيةٍ بحتة، أما لو كان مدفوعاً بمنطلقاتٍ إنسانيةٍ تمتُّ إلى نقاء الضمير الإنسانيّ، فإنه يحتاج إلى أن يمرَّ بمراحل صعبةٍ من الرياضة والمجاهدة كذلك، الأمر الذي لم يكن موجوداً عند هؤلاء الناكثين والقاسطين والمارقين، ولا هو موجودٌ عند قسمٍ كبيرٍ من الذين يتصدَّرون المشهد السياسيَّ في العراق اليوم.

لقد ضاق الإمام عليٌّ ذرعاً بالحياة مع الراغبين بالظلم من جهةٍ، ومع الجماهير التي لم تتمتَّع بأفقٍ عالٍ من التفكير الذي يؤهِّلها لمعرفة ما هو في مصلحتها الحقيقية من جهةٍ ثانية، فهو الحاكم الوحيد في التأريخ الذي لم يجد لذَّةً للحكم في نفسه على الإطلاق، بل نظر إلى المنصب على أنه مسؤوليةٌ واقعيةٌ يتمنى الخلاص منها قبل أن يستلم الحكم وبعده، لكنَّ الواجب الإلهيّ يحتِّم عليه أن ينهض بهذه المسؤولية، وأن لا يتخلى عنها حتى لو لم يكن راغباً على المستوى الشخصيّ، فهو حاكمٌ منتفضٌ على نفسه وعلى ظلم التأريخ كلِّه من آدم حتى قيام الإمام المهديّ ((عج))، وهو فقط من يحقُّ له أن يقول: ((أَمَا وَاَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ لاَ حُضُورُ اَلْحَاضِرِ وَ قِيَامُ اَلْحُجَّةِ بِوُجُودِ اَلنَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اَللَّهُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ)).

فمن كان هذا الشعور بالعدل يستحوذ على كلِّ كيانه مثل عليٍّ ((ع)) فهو الإنسان الكامل بطبيعة الحال، ومن كان ينافس ويتزلَّف من أجل الظفر بمنصبٍ سياسيٍّ يحقِّق من خلاله مبتغياته الشخصية مما لا يخرج عن دائرة المال والجاه والشعور بلذَّة السلطة، فهو ومن يساعده على بلوغ غايته يحملون بالتأكيد ذهنية التراجع  والإنحطاط.

إنَّ منهج عليٍّ ((ع)) هو الضمانة الأكيدة لتقدُّم البشرية وتطوُّرها، بحيث يبلغ غايته في تحقيق اليوم الموعود ببسط العدل على الكرة الأرضية كلِّها، أما من يحمل في ذهنه مجموعةً من الأفكار التافهة التي يروِّج لها فلاسفة البراغماتية والميكيافيلية وما إلى ذلك من فلسفات الظلم والجور والأنانية فإنه أمويٌّ حتى النخاع حتى وإن تشبَّث بشباك الإمام مقبِّلاً وباكياً في جميع المناسبات التي تخصُّ الإمام عليه السلام.