23 ديسمبر، 2024 3:46 م

الإنسان العراقي …من هنا نبدأ..!!

الإنسان العراقي …من هنا نبدأ..!!

عبثا نجهد أنفسنا في البحث عن حلول لمشاكلنا و أزماتنا الاقتصادية و السياسية المستعصية من دون النظر إلى حال الإنسان الذي صنع هذه الأزمات و الذي (هو بنفس الوقت ) من يدفع ثمنها و يكتوي بنيرانها و أعني به الإنسان العراقي .. بناء الإنسان و التصدي لعلله و عقده هي المهمة الأصعب و من ينجح فيها تصبح المهام الأخرى بالنسبة له ..مجرد تحصيل حاصل ، و من الوهم أن نتصور إمكانية تحقيق ازدهار اقتصادي أو مادي أو نجاح سياسي من دون المرور بالحلقة الأهم ..الارتقاء الإنساني .

يجب أن نمتلك الشجاعة لنعلنها و بالصوت العالي..الإنسان العراقي يعيش انحدارا متواصلا منذ سنوات ..حتى صار هذا الإنسان يشك في كل قيمه و معاييره التي تربى على الولاء لها…و أصبح فريسة للجهل و التعصب و الضلالة ..دعونا نضع الإصبع على موطن العلة و نقول بصراحة أن هذا الإنسان يتعرض لأزمات في قيمه و ثقافته و ولاءاته ، و يعجز عن تعريف نفسه و هويته…الإنسان العراقي و منذ سقوط بغداد مصاب بتشوهات خطرة ..في نفسه ..و فكره..و روحه ..فقد معها ملامحه المعهودة و بات بلا ملامح..ولا سمات محددة..و لذلك علينا أن نقرع ناقوس الخطر .

كيف حصل هذا الانحدار..؟؟

هل حدث هذا بفعل (صدمة الهزيمة و السقوط) في عام ألفين و ثلاثة ميلادي ..و هل كانت هذه الصدمة قوية بما فيه الكفاية لتحدث اهتزازا خطيرا في النفس و الذات العراقية كانت ( منظومة القيم ) أول ضحاياه..؟؟

إذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نمعن النظر في الدراسات الاجتماعية التي تركز على سلوكيات الأمم المهزومة و لدينا في ( أبن خلدون) و كتاباته مصدر ثري في هذا الباب .

هل هذه هي ضريبة العيش عقودا طويلة تحت ( الديكتاتورية) و هل ما ندفعه اليوم هو جزء من تلك الفاتورة الباهظة الثمن..فالديكتاتوريات تترك جروحا غائرة في جسد الأمم و تحدث تشوهات في روحها..؟؟

أم أن العلة هي في ( الثقافة ) التي تقدم للجماهير اليوم من قبل القوى الاجتماعية و السياسية النافذة بحيث أن هذه الثقافة ( مسمومة ) و ( متخلفة) ولا تعين على بناء الإنسان المتحضر و المجتمع الناهض..؟؟

هل نعيش فعلا حقبة ( اكتشاف الهويات الفرعية لذاتها) و طغيانها على الهويات الجمعية ذات الطابع التوحيدي للمجتمع ( الهوية الوطنية و العربية و الإسلامية) ، و هل يعاني العراقي فعلا ( أزمة هوية)..؟

أم أن ما يحدث في مجتمعنا ليس سوى صورة مكررة ( عما يقع في كل المجتمعات الإسلامية) من صراع القيم الذي يدور بمرارة ( بين منظومة القيم الإسلامية المعروفة و منظومة القيم الغربية بكل ليبراليتها و انفتاحها و نجاحاتها الحضارية ).

لا تبدو أزمتنا في العراق معزولة عما يدور في إقليمنا العربي و الإسلامي ..ولا تختلف في الملامح الأساسية هنا عن معالمها البارزة هناك ..فوضى ..و انفلات اجتماعي و سياسي ..و تصارع للهويات الفرعية ..مع صراع كبير بين منظومة القيم الإسلامية و منظومة القيم الغربية.

التناقضات الأساسية لم تحسم ..و الإشكاليات الكبرى لا زالت معلقة في الهواء بلا حلول..في العراق و معظم المجتمعات العربية و الإسلامية ..و الفرق بين قطر و آخر هي فقط في درجة الأزمة و حدتها و الإضافات من الملامح المحلية الخاصة. يتجنب الكثيرون الحديث عن ( الإنسان) لأسباب عديدة ،فالبعض يميل للحديث عن الحلول السهلة و العلاجات السريعة التي يتوهم أن فيها المخرج للأزمات ..و البعض يتسم ( بالجزئية) و ( البساطة) في التفكير و لذلك يتجنب الحديث عن الملف الأكثر تعقيدا و هو الإنسان ..و هناك صنف آخر لا يريد مس الموضوع الإنساني لأنه لا يرغب في الاصطدام بمحاور هامة مرتبطة بهذا الموضوع..كالثقافة الاجتماعية و الدينية و المنظومة الأخلاقية و القيمية ..و هي محاور لصيقة بعملية بناء الإنسان بالضرورة ولا تنفك عنه ..و هناك فريق آخر يتصرف كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال و يعتقد أن الحديث عن ( الإنسان العراقي ) أو ( العربي ) أو ( المسلم) محرج ..أو هو باهظ التكلفة لمن يتصدى له..أو أنه قد يكون حديثا..( جارحا) إذا اتسم بالصراحة..

إذا كنا مسلمين حقا في تفكيرنا و سلوكنا و عقائدنا علينا أن نقر بأن بناء الإنسان..و المجتمع تبعا له..هو التحدي الأكبر و هو المهمة التي لا تعلو عليها مهمة أخرى و من المؤسف أن شطرا كبيرا من أحزابنا تطلق على نفسها وصفا إسلاميا و لكنها نادرا ما تتطرق لمثل هذه المهام فيما قضيتها الأساسية مرتبطة بالإنسان ..و بناء الإنسان قبل أي اعتبار آخر .

نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم كانت معجزته الأساسية في بناء الإنسان بعد – معجزة القرآن الكريم -فقد نجح في أن يخرج أعظم أمة من بيئة اجتماعية جمعت كل عوامل الضعف و التخلف و الانحدار و احتوت كل أمراض المجتمعات و عللها .

الإنسان العراقي جدير بأن يكون محور أبحاثنا ..و مثار اهتمامنا .. و موضع نظرنا المتواصل ..فهذا الإنسان هو الهدف و الغاية في آخر المطاف..و ما دون ذلك من قضايا و محاور..ليست سوى هوامش ..و فرعيات .

وزير التخطيط السابق
[email protected]