23 ديسمبر، 2024 5:31 م

الإنزلاق للهاوية

الإنزلاق للهاوية

كما توقع كل غيور على العراق ذو بصيرة ورؤية وطنية,  فقد تفجر الموقف. ولاحت نذر الحرب الأهلية. و بدأ الإنزلاق للهاوية المروِّعة. فبعد موجة من التفجيرات وإنفلات الأمني,طال العراق شرقاً وغرباً, بوشر بإستعمال السلاح بين أبناء هذا الوطن.وهوجِمَت نقاطٌ عسكرية ومراكز للشرطة ونقاط سيطرة وأُختُطِفَ جنودٌ ورجالُ شرطة وأقتُحِمت ساحات إعتصام وأخلِيت بقوة السلاح. وإرتفعت أصوات طائفية متشنجة. .وبات عند البعض أن مخطط التقسيم والتفتيت مخرجاً مقنعاً من الأزمات, وأُمنية للكثير من البسطاء من أبناء الشعب بعد تخويفهم  وترويعهم من مصير ومستقبل بائس أسود وخراب يَعمُّ البلاد, ونار تحرق العباد. ووفق منهج خططه لنا الآخرون في الظلام , بعد أن شرَّعوا الدستور المُهلك المُفجر للأزمات, وفشل عملية سياسية بُنيت على جرف هارٍ.وها نحن على أبواب جهنم ونمضي لهاويةٍ سحيقة . قد دفعنا لها ساسة منهم من هو غير مدرك لما يفعل. ومنهم جاهل بأصول اللعبة السياسية, وآخرون تابعون ومنفذون لأجندات الأعداء بأجرٍ مدفوع وبخبثٍ ولؤمٍ وفكرٍ مسموم, فأصبح التقسيم أُمنيةً. وإقتنع الكثر منّا أن لا  منجاة لنا إلا بطريقين إمّا التقسيم والفراق وتمزيق الوطن الأم بعد قرون من وحدة نبيلة ووشائج ولحمةٍ وطنية. أوالأسراع بنسف هذا الدستور المبني على المحاصصة والطائفية, الدستورالمُفَرِّق لا المُوَحِّد.المهدم لا الباني.المهلك لا المحيي.ومن ثم بناء عملية سياسية جديدة على أسس عصرية مدنية لا طائفية أو عرقية.إبتداءً من تعديل قانون الأنتخابات وجعل العراق منطقة إنتخابية واحدة, والترشيح على شكل أفراد لا قوائم, للتخلص من الطائفية والعرقية. وجعل نظام الحكم رئاسياً كما في الولايات المتحدة   يجمع فيه  رئيس الجمهورية رئاستي الجمهورية ومجلس الزوراء بإنتخاب حر مباشر,وبإشراف حكومة محايدة وحل كل الأحزاب الساسية الموجودة وتشريع قانون للأحزاب يحرم ويمنع تشكيل أحزاب على أسس دينية أو طائفية أو عرقية.
ومن ثَمَّ تشكيل قوات مسلحة على أسس وطنية بمعايير مهنية  وبقدرات عسكرية وطنية.فحال قواتنا المسلحة لا نحسد عليها .فهي هشة غير مقتدرة ولاءاتها لأحزاب وكتل. وقد رفضت مناطق من العراق تواجدها , بل طردتها أحياناً, وخاصة من كردستان والمناطق المتنازع عليها.ولم يعد للمناطق الغربية ثقة بها . وإن كانت أكثر هذه الأسباب طائفيةً أو عرقيةً ولم تكن موضوعية أومقنعة.
الجيش اليوم والشرطة ما هي إلا دوائر لتشغيل من لا عمل له .وتوفير رواتب ووسيلة عيش وباب من أبواب الأرتزاق, ولا دور فاعل لها بالحفاظ على الأمن والوطن إلا القليل القليل.والحاجة ماسة اليوم لأعادة تشكيلها وهيكلتها وتسليحها وتدريبها,بعيداً عن السياسة والمحاصصة والتبعية.
قد يتوصل المتصارعون والمتسببون الى إتفاق أو هدنة. ولكن هذا كالمخدر لأن الحلول ليست جذرية. فما هي إلا مسكنات متأتية عن حسابات ومطامع و مجاملات وإقتسام للمغانم, التي هيَّ أصل النزاع وجوهره . وستبقى النار تحت الرماد. وسيتفجر الموقف بشكل أعنف من جديد. وسيحترق الأخضر واليابس.ما لم تكن هناك مبادرة جادة لأصلاح الشأن العراقي من جذوره وفق المنطق والواقع.بما يخدم الشعب ويحقق مصالحه.
لقد ثبت بالتجربة فشل العملية السياسية وفساد الدستور, فلا عيب من الأعتراف بذلك, ولا بد من التغيير الهادئ.أو تحقيق ما يريده الآخرون بالتقسيم الهادئ. فهذا أجدى للعراق والعراقيين من الأقتتال .فلا حل إلا بتغيير هذه الوجوه السياسية التي هي المتسبب .او بإنسحابهم من الحياة السياسية وترك الشعب يقرر مصيره. لأن وجودهم هو المشكلة.
شعبنا عاش قرون تحت سقف واحد متآلف وبحب ووئام وتجانس مع تنوعه العرقي والطائفي.ولسنا الشعب الوحيد في العالم الذي تتنوع به الأجناس والأعراق.لقد تعلمت الشعوب التعايش .ونجحت وبنت أوطان لأنها تخلو ممن هم على شاكلة ساستنا.أما نحن فلم نتعلم ولم نتعظ.
لم تكن مواقف الحكومة وممارساتها بالعقلانية فقد تعمدت إختلاق أزمات تلقفتها قوى أخرى تدعي المعارضة وضخمتها, مدفوعة بالعرقية أو الطائفية أو التبعية لجهات إقليمية أو دولية. ولم يكن مجلس النواب مؤهلاً لحل أي أزمة, بل تعمد رئيسه دائماً خلق أزمات وتضخيم مشاكل. والحكومة ورئيس مجلس النواب في معركة دائمة. وإن تعذر عليهما وجود مشكلة فلهما خبراء بارعون بخلقها وتأجيج أزمات خطيرة طاحنة, مهددة لوحدة الوطن.ولا رادع للطرفين .وكأننا في حلبة صراع للديكة.فبدل أن تجلس الأطراف تحت قبة البرلمان لحل النزاعات وتفتيت الأزمات, تلجأ الكتل لسحب نوابها ووزرائها من الحكومة والبرلمان. وتلجأ كتل الى مقاطعة الجلسات مشترطة تمرير قانون كقانون تجريم حزب البعث. وكأن القوانين العراقية الموجودة لا تتضمن معاقبة الجناة بعثيين كانوا أم من أحزاب أو ملل أاو نحل أخرى.وكأننا في معركة ثأر وإنتقام. وهذا تصرف يبرر ما فعله النظام السابق أزاء حزب الدعوة وتنظيماته عندما حرم ومنع الأنتماء لحزب الدعوة وإعتبر ذلك جريمة يعاقب عليها بالأعدام. فما الفرق بين المسلكين؟هل ممكن أن يبنى العراق على قوانين الثأر والأنتقام أم بالعدالة ومحاسبة المجرم على جريمته .
فهل تُبنى الأوطان بالكراهية والحقد والأضغان والثأر.أم تُبنى بالألفة والمحبة والتعايش السلمي.فإلى متى تستمر اللغة الثأرية والأنتقام.فالحكومة ومجلس النواب أصبحا غير مرغوب بهما لعدم تمكنهما من تحقيق ما يصبو له الشعب من أمن وإستقرار.وعليهما الرحيل.وهما المشكلة لا الحل.
المطلوب من عقلاء الأمة والمرجعيات الدينية والأجتماعية إقناع هؤلاء الساسيين الحاقدين  بترك الشعب وشأنه,ليقرر مصيره. فهل ستتحرك المرجعيات الدينية وتتدخل لآنقاذ الأمة وتأمر هؤلاء بالأنزواء وترك الأمر لأهله؟وهيَّ القادرة والمؤهلة. أم إن الأمور ستتجه إن لم يكن اليوم فربما غداً الى ما لايحمد عقباه؟ والى الهاوية المهلكة التي خطط لها أعداء العراق دولياً وإقليمياً وجوار السوء .