23 ديسمبر، 2024 3:00 م

الإنتصار السياسي ضرورة حتمية لتحقيق الإنتصار العسكري

الإنتصار السياسي ضرورة حتمية لتحقيق الإنتصار العسكري

يكاد يكون الدكتور أيـــاد عـــلاوي السياسي الوحيد في العراق الذي يتكلم عن هذا الموضوع بعلمية وإصرار، ولعل العلمية تأتي من خلال العلاقة الجدلية بين الانتصار السياسي والعسكري، والإصرار يأتي من خلال الحرص والإحساس بضرورة الإنتصار على قوى الإرهاب بأقل الخسائر وبزمن قياسي مع الحفاظ على إستمرارية هذا الإنتصار، وهذا كله لا يمكن ان يتحقق وفق مجريات الظروف الحالية والمعالجات الناقصة لبناء المؤسسات العسكرية والأمنية وعمقها السوقي الوطني والإجتماعي، والذي يتطلب مصالحة وطنية حقيقية تؤسس لدولة مدنية حضارية يكون القانون فيها هوَ السيد الحاكم والذي يرسم أبعاد العلاقة بين الفرد والمجتمع من جهة، وبين الفرد والدولة ومؤسساتها من جهة أخرى.

ولغرض فهم علمية العلاقة بين الإنتصار السياسي والإنتصار العسكري، لابد من تعبئة جميع مكونات المجتمع العراقي بإتجاه المعركة ضد الإرهاب، وهذا لا يتحقق إلا إذا شعر العراقيون إنهم يقفون على مسافة واحدة من الدولة ومؤسساتها، وأن الحاكم الفعلي ألذي ينظم العلاقة بين الدولة والمواطن هو القانون، ولذلك حينما تعجز الدولة عن إعادة النازحين الى ديارهم في المناطق المُحررة، أو تعجز عن تلبية الاحتياجات الحياتية الأساسية من غذاء ودواء وحد أدنى من مستلزمات العيش لملايين النازحين، فأن ذلك سيعرض الثقة بالدولة إلى الإنهيار، وحينما تخفق الدولة في إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء فأنها تكون قد غيبّت القانون، وأخضعت سلطة القضاء الى إجندات سياسية مشبوهة.

إن الانتصار السياسي يعني بناء دولة المواطنة والخروج من الطائفية السياسية وإقامة دولة المؤسسات القادرة على الإيفاء بمتطلبات شعب العراق دون تمييز، وإستشعار الخطر أصبح ضرورة حتمية، ولابد من إدراك حجم التآمر الذي يتعرض له العراق ومحاولة أطراف دولية عديدة لأن تجعل منه ميداناً لتصفية حسابات دولية

وأقليمية لإستهلاك شعبه وثرواته وبالتالي تمزيق وحدته أرضاً وشعباً، ولذلك لابد من تحقيق الإنتصار السياسي اولاً، وتوفير عوامل إدامة هذا الإنتصار من خلال مصالحة وطنية شاملة، ليس من خلال المؤتمرات والمزايدات، وإنما بإجراءات عملية تشارك فيها السلطات الثلاث التي تدير شؤون الدولة لتعمل بتكامل وبتنسيق عالي، لتؤدي كل سلطة ما عليها من واجبات وإلتزامات تجاه الشعب والوطن.

إن المصالحة الوطنية هي العنوان الأوسع والأشمل للمشروع الوطني الذي نحن بأمس الحاجة اليه لتجاوز الطائفية السياسية، وإقامة الدولة المدنية الحديثة ولأنها طريق الخلاص الناجز من الفرقة والعنف والإنتقام التي صارت وعلى مدى سنوات سمات مميزة للمشهد السياسي العراقي مع الأسف.

لقد رافقت عملية بناء المؤسسات العسكرية والأمنية تراكمات سلبية كثيرة ونظرة قاصرة تفتقر للرؤية الستراتيجية في بناء هذه القوات، ولذلك فأن هذا الفشل ينعكس بوضوح على الإداء المتذبذب للقوات الأمنية في مواجهة الإرهاب، وأن أحد أشكال التراكمات السلبية هو بناء القوات المسلحة على أسس فئوية وطائفية، والإبتعاد عن التكامل المؤسساتي في بناء صفوف القوات المسلحة التي لابد من جاهزيتها ليكون التنسيق بينها متكاملاً في ساحات القتال، حتى تستطيع أن تحقق النصر على الاعداء، يُضاف الى ذلك كله عدم إعتماد القوات الأمنية في كافة معاركها ضد الإرهاب في جميع ساحات المواجهة على قاعدة معلوماتية إستخباراتية سليمة بسبب كون المؤسسات الإستخبارية هي الأخرى مُخترقة ولم يتم بناؤها على أسس المهنية والكفاءة.

لقد أصبحت الحاجة ماسة لأن يرتقي الذين يتصدرون سدة المسؤولية الى مستوى المخاطر التي يتعرض لها العراق وتعصف بالمنطقة والتي لا يمكن مواجهاتها إلا بإستحضار هويتنا العراقية لتكون الهوية الأكبر، وتكون راية العراق الراية الأعلى التي نتشارك جميعاً عرباً وأكراداً، مسلمين ومسيحيين وكافة الأقليات والمذاهب في أن نرفع ساريتها الى الأعلى، حينذاك سننتصر وسيحترمنا الأعداء قبل الأصدقاء، وبغير ذلك فسنخسر كل شيء.