القسم الأول
ساحة التحرير وشارع المتنبي وساحات الإحتجاج في المحافظات ، ومواقع التواصل الإجتماعي وجميع وسائل الإتصالات القديمة أو الحديثة ، أماكن ووسائل للتعبير عن الرأي المتفق أو المختلف عليه جماهيريا وبأساليب متعددة ، ولا يسمح لزمر إشاعة الفوضى فيها من مصادرة إرادة الناخب بعدم المشاركة في الإنتخابات ، ولا يمكن للجهلة والأميين وممن لا يجيدون غير الثرثرة على ضفاف وأرض الرافدين ، الإبقاء على إستمرار حكم السلطات الجائرة ، أو عرقلة إعادة بناء الدولة ومؤسساتها من قبل المثقفين وذوي الفكر النير ، من المختصين المهنيين كفاءة وخبرة مشهودة عبر السنين ، وهي ليست البديل عن الإنتخابات وما تنتجه من ثمرة التداول السلمي للسلطة ، وليست مقرا مكانيا أو مكونا بديلا عن أعضاء السلطة التشريعة المتمثلة في مجلس النواب ، الجهة المختصة الرسمية والوحيدة المخولة بممارسة إختصاصاتها المحددة في المادة (61) من الدستور ، وفي مقدمتها تشريع القوانين ورقابة أداء السلطة التنفيذة ، والموافقة على إشغال مناصبها وتعيين موظفي الدرجات الخاصة فيها وفي السلطة القضائية ، حيث تمارس إدارة الدولة من خلال أجهزتها ودوائرها التنفيذية المختصة ، العاملة بموجب توجيهاتها التشريعية القائمة على كيفية توزيع القوة والنفوذ في المجتمع ، لغرض تطبيق النظام السياسي المعتمد وحمايته ، حيث يستخدم المسؤولون في سبيل ذلك ، كل الوسائل والأدوات الإدارية والتنفيذية المتاحة ، التي تمتاز بإمكانية إحتكار إستعمال وسائل القوة والإكراه في بعض الحالات ، إستنادا لمتطلبات مبدأ وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات ، ولا يحق لغير الحاكم إستخدامها أو مخالفتها ، وكل من يمارس ذلك خارج حدود مسؤوليته وصلاحياته ، يعد مرتكبا لجريمة إدارية تعرضه للمساءلة والعقاب ، وبذلك فإن الملك أو الرئيس في النظام الرئاسي أو البرلماني ، هما المتسلطان اللذان تميزهما قوة الحضور في تصريف شؤون البلاد والعباد ، وفي إمكانية إستخدام سلطة القوة المتمثلة بثلاثية ( الشدة والقمع والقهر ) لحسم بعض المواقف بالحزم ، إلا أن الخليط غير المتجانس لمكونات العملية السياسية التي أوجدها الإحتلال ، تمخضت عن وجود كائن سلطة غريب الأطوار ومشوه وهجين ، لا تستقيم أوصافه مع مقومات بناء الدولة المدنية الحديثة ، لأن الغايات الموجهة صوب تحقيق مصالح كل منهما منفردة أو مجتمعة ، لم تمنع من خلط المفاهيم والتوجهات السياسية المختلفة ، في بوتقة الحصول على مغانم الفرصة المتاحة بأسرع وقت وأقل جهد ممكن ، وعليه بانت تشوهات صياغة الدستور غير المتمكنة من تلافي عقبات وإشكاليات تصادم المصالح الشخصية أو آليات تحقيقها ، وإلا لما كان هنالك من شرط عدم التعارض والبطلان في نص يجمع بين دستور عام وقانون خاص ودساتير أقاليم ( المادة 13 من الدستور ) ، التي لم ينشأ عنها إلا ما فرض بقوة السلاح ، وما علو صوت بعض الشعب المبحوح وكلماته المتقاطعة باللفظ أو بالمعنى ، إلا تعبير عن الرغبة في أن يسقط الحكم بغير الدستور والقانون ؟!، جهلا أو تجاهلا لما أعلنوا تأييده وإقراره بأصواتهم واختيارهم وإرادتهم ، المختومة والمتوافقة مع دفع التوجهات الدينية والسياسية المتبناة منذ الساعات الأولى لإحتلال العراق ، والتي لها اليوم معظمهم رافضون متذبذبون ؟!، ويعلنون عكس ما في صدورهم يكتمون ؟!.
إن إستخدام وسائل الإبتزاز السياسي وشراء الأصوات والتزوير ، وغيرها من وسائل وأساليب الديمقراطية التي فرضتها قوات الإحتلال ، بشفافيتها السالبة لإرادة الشعب وشرعية سلطاته وتشويه صورة مؤسساته الدستورية ، بعدم منح الشعب حق إستخدام صلاحية إسقاط النظام السياسي عن طريق الإنتخابات المبكرة ، لوجوب الخضوع لإرادة الشعب الأقوى من كل النصوص الدستورية ومن يعتاش عليها ، بإجراء التغيير الذاتي من غير مماطلة أو تسويف أو تباطؤ واهن ومهين ، وقبل أن يقول من يريد الحياة يوما كلمته ، فيستجيب القدر بما لا يتوقع حصوله المتمسكون بكراسي السلطة الزائلة ، وبما لا يريده المستبدون ولا تحمد عواقبه ونتائجه وتداعياتهما السلبية ، ذلك هو الموضوع الذي لا بد من دراسته وإعادة النظر فيه ، لأن عملية تغيير الوجوه ليست إبتكارا ثوريا أو ديمقراطيا خالصا ، بل هي من الأساليب القديمة القائمة على فاعلية عناصر التغيير المطلوب ، والتي تستوجب إعادة النظر إليها من زاوية قيمة التفوق العلمي والمهني ، باعتماده شرطا أساسيا في إختيار مصدر القرار ، بدلا من القيم الشكلية القائمة على أساس تبادل الأدوار الحزبية أو العشائرية أو الدينية أو الطائفية ، بمقاييس الأقلية أو الأكثرية العددية غير المثمرة نفعا عمليا ، إلا بعد تعديل قانون الإنتخاب بما يضمن ، تمثيل الشعب بواسطة من يختارهم من ذوي الخبرة والكفاءة المهنية علما وعدلا وعملا ، المتوجة هيئاتهم بكساء النزاهة والإستقامة والإخلاص ، وبمقدار التنافس بمعدل ثلاثة أضعاف المقاعد المخصصة لكل دائرة إنتخابية ، بدلا مما هو معمول به منذ سنة الإحتلال وحتى الآن .
لقد نصت المادة (6) من الدستور ، على أن (( يتم تداول السلطة سلميا ، عبر وسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور )) . وذلك ما يشكل إمتدادا لما نصت عليه المادة الخامسة من الدستور ، إلا إن غريب الوسائل الديمقراطية في التداول السلمي للسلطة خلافا للدستور ، يؤكد زيف مبدأ تداول السلطة سلميا ، وقد رأينا ولمسنا نتائج تداعيات مجرد التفكير بها ، عند محاولة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء السابق ، لأن ما يقصد بالتداول السلمي للسلطة عمليا في المفهوم الساذج للسياسيين الجدد ، هو تبادل المراكز العليا للدولة لذات الأشخاص وبالتناوب المتكرر ، طيلة مدة حكم المحاصصة الطائفية ، الخالية من أدنى مراتب الخجل أو الحياء في جميع مجالات الحياة ، لتدور رحى مطاحن العملية السياسية المتبادلة مواضعها ومواقعها بين قوى لا تدرك كنه نهايتها وماذا تريد ، ليس على مستوى الإدارات العليا للدولة فقط ، وإنما نزولا إلى أقل التشكيلات وأدناها مرتبة ، مما كانوا يحلمون في الحصول على إحداها في أعلى مستويات طموحاتهم وأطماعهم ، كونهم من غير الجديرين أو المتمتعين بمواهب القدرة على قيادة الدولة والمجتمع ، ولكنهم من قادة الصدفة كما وصفهم بذلك أحد أعضاء العملية السياسية ذاتها في تموز سنة 2012 .
إن الفهم الخاطيء للتداول السلمي للسلطة ، نابع من الفهم المنحرف للممارسة الديمقراطية ، على إنها المانع من أن تؤخذ الدولة غصبا بإنقلاب عسكري وليس بإحتلال أجنبي ؟!، مع أن تلك الحالتين ليستا إلا وجها من أوجه الديمقراطية العسكرية ، التي يتعكز عليها وينادي بها دعاة الديمقراطية الغاشمة ، الذين يظهرون الديمقراطية على أنها لبوس ترتديه أدوات إغتصاب السلطة ، التي هي من أسس المظاهر السياسية المدانة في واقعنا العربي ، لأنها غير مصممة لضمان مراقبة ومساءلة الحكومات المقصرة أو الفاشلة في أداء واجباتها ، وإن تم بناء مؤسساتها بعد ولادة عناصرها بالإنتخابات الشكلية ، كما لا تشكل الأغلبية أو الأقلية البرلمانية ضمانا لحقوق المواطنين ، بدون دستور مدني مهني تطبيقي ، يحدد مهام وواجبات السلطات والفصل بينهما في إطار الإقرار بالحق الكامل للمواطنة ، لأن حكم الأغلبية لا يعني حرمان الأقلية من حق المشاركة في صنع القرار ، والديمقراطية التي تمارسها الأغلبية ولا تقوم على أساس ليبرالي تعددي ، ستعرقل تحرر الأفراد والمجتمعات والمؤسسات من قيود السلطات الحاكمة بأسماء وصفات المشاركة والتوافق والشراكة الواهمة ، كما ستضيع الحقوق المختلفة إن لم يتم بناء المؤسسات الدستورية والقضائية المستقلة قبل إجراء الإنتخابات ، أو على وفق مضامين البرامج الإنتخابية ونتائجها ، التي أساسها الحريات العامة وحقوق الإنسان في ظل قواعد العلاقات التنظيمية للمجتمع المدني المتحضر ، وإحترام الدستور وعدم إستبداد الأغلبية ، وإحداث التغيير السليم والآمن في مستوى علاقات الثقة المتبادلة ، بدلا من إشاعة ثقافة إستخدام الوسائل والتوجهات التسقيطية بإسم ديمقراطية السلطة المستبدة والتداول السلمي للكراسي .