رائع وجميل جدا أن يشارك الفرد، في اختيار وانتخاب من يرى له قدرة تمثيله، في إدارة شؤون الامة والبلاد، فهذا ما يعبر عنه سياسيا بالنظام الديمقراطي، وشرعيا بولاية الأمة او ولاية المؤمنين، وذلك يعني أن الإنسان، بدرجة كبيرة منح صلاحية ممارسة حريته في إبداء الرأي وصون كرامته في هذا المجال.
الديمقراطية او ولاية الامة على نفسها، تعطي مساحة واسعة لمراجعة السياسات الخاطئة، في إدارة الدولة وعملية البناء والتقدم، وتصحيح ذلك بمناهج وبرامج نوعية ومتقدمة، ومشاريع إنمائية كفيلة بمعالجة المشاكل والأزمات التي تعصف بالبلاد، من خلال ضخ الدماء الجديدة التي، تمتلك الرؤى الناضجة والمشاريع السياسية الناهضة، وهذا ما نشاهده في مسيرة الدول ذات الانظمة الديمقراطية.
الانتخابات أحد أهم أركان هذا النظام، سواء كانت رئاسية أو برلمانية محلية أو وطنية، ألا أن مخرجاتها ليست بالضرورة دائما تأتي صحيحة وسليمة.. حيث أنها عملية تعتمد المقدمات والمقومات، وكان يفترض أن نتاجها حسن وايجابي وقد تأتي بمخرج سلبي وسيئ للغاية، لكن حيثما توفرت مقومات هذا الركن المهم ومقدماته الصحيحة، فسيكون العطاء نوعي ومثمر، وإن انعدمت العناصر المقومة واستحال توفرها، فهنا تكون النتائج عكسية وعديمة الفائدة.
أهم تلك العناصر التي ينبغي توفرها، من أجل انجاح العملية الانتخابية، كي تعطي وتفرز مخرجات مثمرة لتحقق متطلبات الامة، وتطبيق البرامج والسياسات الكفيلة بتغيير الواقع، وانتشال الدولة من الانهيار، والخروج من مستنقع الصراعات الداخلية، هو توفر البيئة المناسبة، أمنيا وإعلاميا وثقافيا.
ثاني الشروط هو وجود الإرادة الشعبية العامة، لعملية التغيير والإصلاح.. وثالثها الوعي وأدراك الشارع خطورة المرحلة ومألات الأمور.. وأمر مهم أخر يحتاج وعيا من المواطن، لفرز المناهج والمسارات بحكمة وروية، والابتعاد عن الميولات الحزبية والعواطف والمصالح الشخصية، والذهاب باتجاه أكثرها وسطية واعتدالا ورؤية واقعية، لمعالجة المشاكل والتحديات.
كذلك المشاركة الشعبية الواسعة، فالمرات السابقة دون مشاركة واسعة في العملية الانتخابية، ومنح الصوت لمن يستحق، لا تجدي نفعا ولا تغير من الواقع شيئا.
اتضحت إلى هنا الرؤية، بما للانتخابات من أهمية ودور في عملية التغيير، وما ينبغي توفره من مقدمات تعرضنا لها، كي نضمن أن مالها قد تحقق، ويبقى ما عليها من ضرورة افراز نتائج سليمة وأيجابية، لتأسس إلى مرحلة جديدة، تختلف عما قبلها وتتناسب مع استحقاق المرحلة، والمخاطر التي تحيط بها، وتؤول اليه الأمور فيما لو تم الإخلال بمقوماتها ، وما يفترض على الناخب من واجب أتجاهها.
الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، التي دعت لها المرجعية والحراك الشعبي والقوى السياسية، أوشكت على الأبواب، وقد انطلق مرشحوا القوى السياسية او المستقلون، بحملاتهم الانتخابية ولم يتبقى سوى فترة وجيزة لادلاء الناخبين، بأصواتهم لصالح مرشحيهم، وهنا لابد من استثمار الفرصة بالتأكيد على اختيار القوى الوطنية التي تؤمن بالدولة، ودعم التحالفات العابرة للطائفية والقومية والمذهبية، التي تعتمد الاعتدال والحوار منهجا في معالجة المشاكل والازمات، وينبغي ان توجه الجماهير رفضا صارما للاطاحة بتلك القوى، التي تعمد إلى لغة السلاح والقوة في تنفيذ مشاريعها واجنداتها، وتعمل على اضعاف هيبة الدولة، من أجل تحصين نفسها وفرض قوتها على الدولة والقوى الأخرى.