22 نوفمبر، 2024 11:04 م
Search
Close this search box.

الإمساك بعقارب الساعة

الإمساك بعقارب الساعة

لاتدع فعل الصالحات الى غد
لعل غدا يأتي وأنت فقيد
كم من الحكم والأمثال في تأريخنا قديما وحديثا، تحثنا على استغلال الوقت وعدم التفريط به، لاسيما فيما يعود بالخير لنا ولبني جنسنا. فلطالما سمعنا أقوالا مثل: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، أو لاتؤجل عمل اليوم الى الغد. وعلى هذا فقد بوّب الإنسان في الدول المتحضرة، كل لحظة من يومه لخدمة نفسه والإنسانية، بالمشاركة الفاعلة في المجتمع بالعطاء والانتاج وتأدية دوره كل حسب مامطلوب منه، وبات الاهتمام بالوقت سمة يتسم بها الإنسان الواعي والمتحضر.
في عراقنا اليوم -كما هو بالأمس- لا يولي مسؤولوه ومتقلدو المناصب الحساسة والتي في تماس مع يوميات المواطن أية أهمية للوقت، بل هم يتخذونه شفيعا لتبرير التقصير والإهمال الذي بات سمة من سمات أغلبهم، لاسيما في الجوانب الخدمية علاوة على الجانب الأمني، وأكبر شاهد على كلامي هذا هو الشارع العراقي. فلو قلبنا الجانب الخدمي نرى ان الإهمال فيه على قدم وساق، ولم يبقِ القائمون على أجهزته عذرا يسوغ لهم ما أوصلوا البلد الى ماهو عليه.
أما الجانب الأمني فقلما يمر يوم من دون أحداث عنف، وسواء أكان مصدره عصابات إرهابية أم مافيات تمتهن اللصوصية، تمارس مهنتها عبر موظفين ينتشرون في مؤسسات البلد، من ضمنها الأمنية. وتتراوح خطورة أعمالهم وتداعياتها مع مزاج المنفذين والممولين والمخططين والمستفيدين والمحرضين، الذين بدورهم مرتبطون بوشائج وروابط ومشيمة واحدة، مع بعض الكتل والأحزاب والشخصيات التي هبطت على العراق والعراقيين مع أمطار نيسان 2003. ورغم كل هذا يتجاهل أغلب عناصر الوزارات الأمنية -قادة ومنتسبون- عامل الوقت، ويمررونه من دون إيجاد الحلول الناجعة لإيقاف إزهاق الأرواح وعمليات الابتزاز. حتى غدا الحديث عنها أقل بكثير من القيمة الحقيقية لقطرة دم تراق من جسد عراقي شريف (على باب الله) يكد على عياله من مال الله الحلال، او امرأة لها من الأطفال من ينتظر حنانها وحليبها وعطفها، او تلميذ ينظر اليه أبواه كشمعة تنير لهم دارهم، يبارونه في كل مايملكون من مال وحب وحنان كما نقول: (كل شبر نذر).
كل هذا يحدث بعد أن ولجنا السنة السادسة عشر من زوال حكم الطاغية المفترض، وأصبحت (مرگتنا على زياگنا) وولى زمان الحزب الواحد، وحلت محله التعددية والحرية، واتخذت الانتخابات فيه جانب الشفافية والمصداقية -حسب ادعائهم-. أفبعد هذا كله يبقى عنصر الوقت مهمشا بل ملغيا في أغلب جوانب حياتنا نحن العراقيين.
لقد بات العراق -وهذا مايؤسف- اليوم أكثر بلد لايعير شعبه -فضلا عن مسؤوليه وقادة مؤسساته- أهمية للوقت. ومن المفارقات أن أكثر بلد يقتني شعبه الساعات اليدوية باهظة الثمن هو العراق. اما ساحات البلد التي تم نصب ساعات فيها فهي كثر، ومعظمها عاطلة عن العمل او مهملة بلا صيانة. في الوقت الذي لو رجعنا فيه الى القرن التاسع عشر، وعلى قدم العمران في بلد كان محتلا من قبل العثمانيين، نجد ساعة القشلة شاخصة على نهر دجلة في سراي الدولة، وكانت بغداد بأكملها تعتمد في توقيتاتها عليها.
أليس الأولى بكم ياقادة البلد وصناع القرار وأولي أمر هذا الشعب، ان تضعوا للوقت حسابا تحققون من خلاله منجزا يسجل لحسابكم ويفيدكم يوم الحساب؟ وقد قيل سابقا ولاحقا:
واخشَ مناقشة الحساب فإنه
لابد يُحصى ما جنيت ويُكتب
لم ينسه الملكان حين نسيته
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
وغرور دنياك التي تسعى لها
دار حقيقتها متاع يذهب

أحدث المقالات