18 ديسمبر، 2024 7:06 م

الإمام الكاظم نزيل السجون وصرح العلم وصوت الإنسانية المعذب

الإمام الكاظم نزيل السجون وصرح العلم وصوت الإنسانية المعذب

إن الاطلاع الحقيقي المثمر على فصول ومضامين السيرة العطرة لأئمة أهل البيت “عليهم السلام” وتراثهم المعطاء وإحياء أمرهم ، تكمن في أن نستوحي منهم الحقيقة الساطعة للإسلام ، والقيم المثلى التي جاء بها ، والمبادئ الإنسانية التي دعا إليها ، لأنهم الترجمان الحقيقي والنموذج الأمثل لحمل وتجسيد تعاليم السماء والثوابت الإنسانية ، ومن ثم نُترجم ما استوحيناه منهم إلى سلوك ونهج وعمل كي نكون زينا لهم لاشينا عليهم .
الإمام الكاظم الذي نعيش ذكرى استشهاده احد نماذج المدرسة الرسالية التي تغذت من وحي السماء ، ورضعت من رحيق النبوة ، أعطى خلال مسيرته دروسا بليغة تعكس النهج القرآني في نشر ثقافة الإسلام النقية والتعبير عن رؤيتها للحياة والإنسان والوجود .
إن من يدخل إلى الدوحة الرسالية لهذا الإمام لا يخرج منها إلا وهو قد ازداد يقينا وتنورا ، واتسع أفق محتواه الروحي والفكري والأخلاقي ، فالأمام رغم صعوبة المرحلة التي عاشها والتحولات السياسية والحصار والتضييق الذي مُورس عليه إلا انه لم يترك دوره ومسؤوليته في القيادة والإدارة والتوجيه والإرشاد والدفاع عن المظلومين، والتصدي بالعلم لكل الحركات الضالة المنحرفة التي تلبست بزي الدين والمذهب وراحت تتاجر بهما من اجل السلطة والمال، وكذلك التصدي للتيارات والفرق المنحرفة كالزنادقة والملاحدة وغيرهم ومناظرتهم ومحاورتهم بالأساليب العلمية كما اتبع الإمام الكاظم (عليه السلام) الاقناع بأدوات العقل والبديهة، وهو الأمر الذي لا سبيل لإنكاره من قبل أصحاب الأفكار المنحرفة.فكان الإمام عليه السلام  حاضرا حضورا قياديا تربويا علميا ثوريا، وعلى هذا النهج العلمي الشرعي الأخلاقي تصدى المرجع الصرخي للفكر التيمي الداعشي الخارجي الضال الذي تمخض عن تنظيمات ارهابية متوحشة أهلكت الحرث والنسل وعلى راسها داعش المارقة….
لم يتمكن السجن وظلمته وعذابه ، ولا قيوده وسلاسله ووحشته ، من ثني عزيمة الإمام وإيقاف مسيرته ، أو إرغامه على التنازل عن ثوابته أو مهادنة ومجاملة السلطة الظالمة ، أو سلوك منهج التبرير والتمرير الذي تسكر في أفيونه قيادات التميع والركون .
في قعر السجن المظلم كان الإمام يدير الأمور ضمن إستراتيجية خطط لها من حسن تدبيره وحذاقة فكره ورؤيته …، من الطامورات يعطينا دروسا في ثقافة إدارة الأزمات وحل المشكلات ، وتحويلها إلى رماح تطعن نحور من يؤججها ، حتى العبادة الإستغراقية التي كان يمارسها في زنزانات السجون لم تكن مجرد حركات سطحية يغلب عليها الهدوء والصمت القاتل للمسؤولية ، ولم تكن فارغة عن محتواها الروحي المحرك والمؤثر ، ولاهي تلك العبادة التي تمنع صاحبها من اقتحام الواقع بما تحتويه من غذاء روحي وإرهاصات رسالية تحرك صاحبها نحو العمل والإبداع والعطاء والتضحية ، إنها عبادة تُجسد الحضور الرسالي والدور الإصلاحي والموقف الرافض لكل أنواع الجهل والظلم والفساد والاستكبار والركون والخنوع .
إن المنهج الإلهي الذي سار عليه الإمام الكاظم عليه السلام لا يروق لحكام الجور والفساد وأئمة الضلال فلذلك تعرض الى العداء والنصب والبغضاء والضييق والسجن وأخيرا القتل …كما أشار إلى ذلك السيد الصرخي الحسني في كتاب “نزيل السجون” حيث قال :
((لم يكن سياسيا… بالسياسة الدنيوية
ولم يكن قائدا عسكريا كقادة الجهاز الحاكم الظالم
ولم يكن مسؤولا أو زعيما لجناح مسلح … كعصابات السلب والنهب وسفك الدماء والإرهاب
ولم يكن منتهزا وصوليا عابدا للمناصب والواجهات…كالمنتفعين الوصوليين العملاء الأذلاء في كل زمان
بالتأكيد فانه لا يمثل جهة وحزبا معارضا… كالأحزاب المتصارعة على الدنيا والمنافع الشخصية الخاصة.
كان إماما تقيا نقيا زاهدا عابدا ناسكا مخلصا عالما عاملا امرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ،كان أمانا حجة شافعا رحمة للعالمين.
إذن…لماذا هذا العداء والنصب والبغضاء
ولماذا التجسس والمراقبة والتضييق والمداهمة فالترويع والاعتقال فالحبس والسجن والطامورات مع أنواع العذاب ثم السم والقتل والشهادة…؟
نعم الحق معه والإمام الكاظم(عليه السلام)مع الحق وله انعقدت الولاية والسلطة التكوينية والتشريعية فهو الإمام والأمان والحجة والبرهان…))
لنتعلم من الإمام الكاظم (عليه السلام) سمو الأخلاق ، وملكوتية الروح ، ورسالية الموقف ، وكاظمية الغيظ ، وسعة الصدر ، والتعامل مع الآخرين تعاملا إسلاميا إنسانيا منتجا ، ينطلق من روح المحبة والمودة ويتعالى على غريزة الثأر والانتقام ويترفع عن حضيض البغضاء والعداء والسباب والاستكبار وسلب الحقوق ، لنتعلم من إنسانية الكاظم …كيف لا وهو حفيد نبي الإنسانية …