23 ديسمبر، 2024 5:38 ص

الإمام الحسن والمجتمع الداعشي

الإمام الحسن والمجتمع الداعشي

إن الصراع القائم على مر العصور، بين الخير والشر، الحق والباطل، العدل والظلم، الإصلاح والفساد، كان ومازال ينهك الشعوب، ويقسمها إلى معسكرين، معسكر الحق ومعسكر الباطل، المشلكة التي واجهت المجتمعات الإسلامية على مدى تأريخها، ومن أيامها الأولى، هي تلبس الباطل بلباس الحق، وهذا ماذكرته وركزت عليه، كثير من آيات القران الكريم، ووصفت أتباع هذا النوع من الناس بالمنافقين.
النفاق أخطر من الكفر، إذ ان النفاق متوغلاً في المجتمع، ومتنكراً بجلباب الإيمان، مخفياً بذلك همزات الشيطان.
الإسلام نظام حكم وحياة لكل البشرية، ولمختلف العصور والمراحل، قيادة الدين يتم اختيارها من السماء، وهي مسؤولية ذات مشقة كبيرة، لايتحملها إلا من اختير لها من قِبل الباري عز وجل.
لما كانت المسؤولية كذلك، إذن هي ليست للترف أو المرح أو الشهرة، بقدر كونها قيادة لمجتمع لهدايته للخير والصلاح، فإذا كانت كذلك، يأتي السؤال لما كل هذا الصراع، الذي ملأ التأريخ الإسلامي، منذ رحيل النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) مرورا بالدولة الأموية والعباسية، ووصولاً إلى تأريخنا الحاضر؟ 
كما ذكرنا سابقاً إن قيادة الأمة، وحمل الرسالة الإلهية، إنما هي بتكليف من قبل السماء، وليس للإنسان دخل  في أن يختار  من يكون مرسلاً أو وصياً، وهذا هو ما يعتقد به الشيعة.
ولوج النفاق في الدولة الإسلامية منذ أيامها الأولى، كان له تأثيره البالغ في تغيير مسار الرسالة السماوية المحمدية، سيطر معسكر النفاق على مفاصل الدولة الإسلامية، وبدأ يضلل على العوام من الناس الحقائق، حتى صار اغلب المجتمع، مجتمع فاقد للأهلية غارقاً بجهله، حتى وصف معاوية أتباعه، بقوله للإمام علي (عليه السلام): ” أقاتلك بقوم لايميزون الناقة من الجمل”!
بعد سيطرة معسكر المنافقين على حكم الدولة، انتهى ارتباط  قيادة الأمة السياسية -التي فرضها الواقع- بالسماء، وبذلك صارت هذه القيادة فاقدة لشرعيتها، وتحولت من مسؤولية ذات أتعاب ومشقات جمة، إلى ترف وغنى فاحش ولعب وغرور وفساد، ولهذا قاتل الأمويون والعباسيون ومن كان قبلهم على قيادتها، وتسنم زمام سلطتها.
الإمام الحسن(عليه السلام) كان طرفاً مباشراً، خلال مرحلة من مراحل التأريخ الإسلامي، في الصراع القائم مابين الإيمان والنفاق، فهو الخليفة الشرعي من الملكف من قبل السماء، أما خصمه -معاوية- فهو أحد تلامذة النفاق، الذي تغلغل في أعماق الدولة الإسلامية حينها، معاوية حكم الشام بنفاقه وأمواله وإعلامه الأموي.
صلح الإمام الحسن مع معاوية، كان انتصارا للإمام (عليه السلام) فهو خليفة شرعي، سواء تصالح أم لم يتصالح مع معاوية أو مع غيره، وليس للإمام أن يتخلى عن تكليفه الإلهي، الواقع هو الذي فرض الصلح، بسبب نفاق معاوية الذي أضل به أهل الشام، وأمواله التي غر بها قادة جيش الإمام الحسن.
هذا الصلح الذي فرضه الواقع، بما حوته تلك الحقبة من التضليل والنفاق، والفساد الذي أدى لترك الأمة لوليها الشرعي، والسير خلف معاوية، حَوّل الإمام الحسن الهزيمة التي كانت متوقعة، بسبب خيانة قادة الجيش، وتشتت أتباعه عنه إلى نصر، حيث فرض شروطه على معاوية، وفضحه أمام أتباعه وجميع المسلمين،  فرفض تسليم الخلافة للإمام الحسين، من بعد هلاك معاوية، التي كانت أحدى شروط الصلح، كشفت نفاق بني أمية ودجلهم أمام المجتمع.
ظل معسكر النفاق مسيطرا،ً على العالم الإسلامي حتى يومنا هذا، فالعائلة الحاكمة في السعودية، وشيوخها من الوهابية، مازالوا يدينون بدين معاوية ونفاقه، بالأمس قاتلوا الإمام علي في الجمل وصفين والنهروان، يقاتلونه لأجل الإسلام! ونسوا لولا علي وسيفه لانتهت الرسالة من ساعتها، واليوم يقاتلون كل درع للإسلام وحامل لرسالته، بنفاقهم حولوا الحوثيين من ثوار حاملين رايات العداء لإسرائيل، إلى كفار يرومون استهداف مكة المكرمة بصواريخهم!
انطلت الخديعة على كثير من المضللين، وراحوا يسبوا اليمنيين، هذا هو النفاق الذي يغير مسار الجماهير، ويخل بالمعادلة، فالسعودية تحتل اليمن، وتقصف وتقتل كيفما تشاء، والجهلة خلفها يرددون بهتافات النصر، لو كان هؤلاء صادقين بشعاراتهم؛ فأين مواقفهم من المسجد الأقصى، الذي انتهكت حرمته لمرات من قبل الصهاينة، ومازال أسيراً بيدهم؟
النفاق والتضليل، الذي يصور الحشد الشعبي الذي تأسس ليدافع عن أرضه ووطنه، على انه مليشيات إرهابية، ويظهر “داعش” على إنها إمارة إسلامية، لابد من نصرتها، فيقوم الناس بجمع التبرعات لتمويلها، هو نفس التضليل والنفاق الذي جعل الناس تخذل الإمام الحسن، وتنصر معاوية.
أخيراً، في استطلاع أجراه أحد الإعلاميين العرب، طرح فيه سؤال للجمهور العربي، كان سؤاله:” أيهما تفضل، العيش في دولة يحكمها الحشد الشعبي-الشيعة- أم العيش في إسرائيل؟” فكانت الإجابات بفارق شاسع لصالح العيش في إسرائيل! هذا هو الإعلام، وهذا هو المجتمع الداعشي، الذي بايع معاوية ويزيد، ومازال يبايع أذنابهم، وهو نفسه المجتمع الذي خذل الإمام الحسن.