18 ديسمبر، 2024 7:40 م

الإلحاد هل هو الكأس المقدّسة ؟ (4)

الإلحاد هل هو الكأس المقدّسة ؟ (4)

لا يزال الإنسان لا يفهم طريقة إلتماس الطيور المهاجرة لطريقها ولا تتيه ولو كان على بُعد آلاف الكيلومترات ، ووضعت الكثير من النظريات بهذا الخصوص ، ولا يزال الإنسان يرصد الكثير من الموارد وهو يجري الدراسات لمعرفة سر كامن في دماغ الطير الذي لا يزيد حجمه عن حبّة باقلاء ! ، دراسات ليس دافعها بريئا ، فهو يريد كشف ميكانيكية إدراك الحمام لطريقه ، لتطبيقها على جيل من الصوارخ الذكية وأدوات الموت ، لتوجّه نفسها وتُردي أهدافها بدقّة دون وسائط مكلفة كالأقمار الصناعية ! ، نحن لا نعرف على وجه التحديد ، كيف تأتي الأشجار العالية أكُلَها وهي تمتص موادها الغذائية في التربة ، وترفعها لعشرات الأمتار كما في أشجار النخيل ، بل قد يصل إلإرتفاع إلى أكثر من مائة متر كما هو حال أشجار الخشب الأحمر (السيكويا Sequoia) التي تحتاج إلى عشرات اللترات من السوائل من التربة يوميا ، فنجد هذه الأشجار باسقة يانعة ومغذّاة جيدا ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ، علم الفيزياء يعزو ذلك إلى ظاهرة (الخاصية الشعرية Capillary) ، لكننا نعلم إن ذلك لا ينطبق إلا على أجزاء المتر الواحد ! ، من هنا كانت حيرة العلماء اليابانيون في تقرير على قناة (NHK) اليابانية في تأويل هذه الظاهرة !.

النباتات اللاحمة ، وهي النباتات المفترسة التي تتحسس أي حشرة تحط عليها ، فتنقبض عليها أوراقها بسرعة كبيرة كي لا تفلت منها الحشرة ، ربما فهمنا الميكانيكية ، وهي بإمتلاء خلايا جانب واحد من العضو القانص بالسوائل ، فيميل مطبقا على نظيره الآخر بما يشبه الدفّتين ، لكن علم الأحياء لا يفسّر لنا كيف تتحسس هذه الأعضاء وتَرُدّ الفعل ، خصوصا وأن لا جهاز عصبي لها ! ، المسألة ليست ببساطة عتلة مزوّدة بنابض كما هو الحال في مصيدة الفأر !.

المثير للعجب ، نوع من الفطريات (Fungi) ، وأسمه العلمي (Physarum Polycephalum) ، وهو ذو لون أصفر ، لزج القوام ، حيّر العلماء لأنه يلتمس أقصر الطرق للوصول إلى طعامه من خلال متاهة (Maze) ! ، وعند وضع بُقَع من المواد المغذية على وسط الإنبات ، فإنه سينمو مادّا جسورا مستقيمة بما يشبه الجذور للوصول إلى بقع الطعام ، ويكوّن عُقدا وأقصر الطرق وأكثرها فاعلية حسب حجم بقعة الطعام ، إلى درجة أن اليابانيون أعتمدوا (فلسفته) ، لإنشاء شبكة قطارات في (طوكيو) ! ، لأنها ستربط أحياء طوكيو حسب حجمها وأهميتها ، فهذا الفطر الذكي ، والذكاء سيد الوعي ، أنجز ما عجزت عنه حتى خوارزميات الحاسوب ، وبإمكان القارئ الكريم مشاهدته على اليوتيوب :

(Are You Smarter Than A Slime Mold?) .

Are You Smarter Than A Slime Mold?

 

جميعنا يعرف ، أن حجم دماغ النحلة (توجد سورة قرآنية بإسمها) لا يتجاوز حجم رأس الدبّوس ، لكن لو تأملنا إستراتيجية هذه الحشرة في البحث عن رحيق الأزهار ، فستكون مثيرة للعجب ، يقوم قفير النحل أولا بإرسال عاملة كشّافة للبحث الزهور ، وعند عودتها ، تؤدّي رقصة إهتزازية ، فيعرف النحل العامل إتجاه وبُعد الهدف بالضبط ، فمن خلال عدد إهتزازات بطنها يعرف النحل البُعد ، ومن خلال زاوية تحرّكها أثناء تأديتها لهذه الرقصة ، يعرف الإتجاه ، وما هي إلا لحظات ، حتى يتحرّك سرب كبير من النحلات العاملة بإتجاه الهدف لأنها فهمت الرسالة ! ، المسألة في غاية التعقيد ، إذ كيف إستطاعت النحلة قياس البُعد والإتجاه بالنسبة إلى قفيرها ، وبالتالي خزنه في ذاكرتها ، لتترجمه بعد ذلك إلى حركات وإيماءات مع صُغر حجمها وبعد المسافة ؟! ، أي وعي هذا التي تمتلكه تلك الحشرة ، بحيث يملي عليها معيشة إجتماعية طبقية ورصينة وصارمة ؟! ، قال تعالى (وأوحينا إلى النحلة أن إتخذي من الجبال) إلى آخر الآية ، ولم يقل (إتخذ) ، لأن جميع النحل العامل من الإناث ! ، ولو تأملنا الطبيعة حولنا ، سنجد آلاف الأمثلة المثيرة والمحيّرة التي لا تقل غرابة عن هذا السّرد .

شاهدتُ تقريرا على قناة (DW) الألمانية المرموقة ، عن دراسات لإيجاد حلول لإزدحامات الشوارع ، فوجدوا أن النمل (توجد أيضا سورة قرآنية بإسمها) لا يعاني هذه الظاهرة ، رغم الإكتظاظ الشديد لحركته ، لأنه أمتلك إستراتيجيات بمنتهى الذكاء بحيث غابت عن بال الإنسان ، فقال المذيع (إتضح إننا لن نلحق بالنمل في ذكائه ) ! .
ولو إستقرأنا مقياسا أكبر وهو الإنسان ، فهنالك بعض الحالات المَرَضية النادرة والتي تستحق التوقف عندها طويلا ، وهي الحالات التي تطرّق إليها دكتور علم النفس في جامعة (فرجينيا) الدكتور (بروس غريسون Bruce Greyson) في كتابه (هل ينتج الوعي من الدماغ Is Consciousness produced by the Brain?) ، وفق دراسة قام بها بنفسه ، يسرد لنا هذا الدكتور بعض الحقاق المثيرة للعحب عن بعض المصابين بمرض (إستسقاء الدماغ Hydrocephalus) ، ويعني عجز الدماغ عن بزل السائل الشوكي (Spinal Fluid) خارج قحف الجمجمة مما يؤدي إلى زيادة الضغط على خلايا الدماغ ، فتتدمر ويمتصها هذا السائل ، وهو مرض خطير يؤدي إلى التخلف العقلي ، وفقدان الذاكرة والحواس ، ثم يؤدي إلى الموت في حالة عدم علاجه ، لكنه ذكر أن بعض الناجين من هذا المرض ، لديهم عامل ذكاء (IQ) والذي يتراوح بين 90-160 في الشخص الإعتيادي ، لديهم (IQ) أكثر من مائة ! ، وهو لا يمتلك سوى 120 غم من النسيج الدماغي ، أكتشف صدفة عند طلاب للجامعات ! ، فمتوسط وزن الدماغ عند الرجل 1400 غرام ! ، فأين يكمن الوعي ؟! ، مع العلم أن وزن دماغ العالم العظيم (آينشتاين) ، وهو من أعظم ما أنجبه الوعي البشري هو 1230 غم ! ، أي أقل بقليل من متوسط دماغ الرجل ! ، وبالمقابل ، نجد أن دماغ الفيل يبلغ 5 كيلوغرامات ! ، من هنا قال أحد أطباء الأعصاب من المشرفين على هذه الحالات متعجبا (ما هو عمل الدماغ بحق الجحيم What the hell is the function of brain ?) ! .