18 ديسمبر، 2024 8:01 م

الإلحاد في العراق .. حقيقة أم وهم .. ؟

الإلحاد في العراق .. حقيقة أم وهم .. ؟

عندما تحاور أحد الملحدين فإن النقطة الجوهرية المعهودة التي يفرضها على المحاور هي كالآتي : أنا فقط أُسلم بالعلم التجريبي والمحسوسات , فلا تعطيني أدلة خارج هذا النطاق !
هذه المقدمة لم تأتي من فراغ بل هي احد الأصول الوضعية لحركة فلسفية إلحادية نشأت في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين على يد ( إلفريد أير ) وكان شعارها هو إبعاد جميع العلوم والمعارف التي لايمكن الاستدلال عليها من خلال التجربة الحسية المباشرة .
هذا الطريق اعتمده المادي كتأسيس لرؤيته الكونية التي لا تؤمن بوجود الله تعالى كخالق لهذا الكون , فما تثبته التجربة هو السبيل الوحيد للتصديق به ولا يوجد عندنا طريق أخر غير طريق التجربة فجميع المعارف والعلوم لابد أن تحصر بالتجربة أما ماعداها فهي ( وهم و سفسطة ) … وقد سببت هذه الاعتقادات ردود أفعال انفجارية حتى من فلاسفة الإلحاد أنفسهم فضلاً عن المثقفين والمتدينين, فاضطروا إلى تضييق الدائرة المادية بأطروحات إن ترجمه أفضلها فلا يخرج إلا بنتيجة مادية واحدة وهي إن ..
( جميع ما في الكون عبارة عن نفايات نتجت من انفجار المادة بالصدفة ) ..
هذا الطريق نوقش بنقاشات علمية وعقلية استطاعت من تثبيت الوهن والضعف والقصور في الرؤية المادية, حتى جعلت من المادي يصاب بالغثيان وليس له المقدرة على التقيؤ والخلاص , وهنا سنذكر اثنين من التعليقات والإشكالات الضرورية البديهية ثم نكمل في أطروحات ومقالات متتالية باقي الإشكالات ومنها …
1- قصور هذا الطريق والأداة … ؟ فليس جميع الأشياء التي يذعن العقل بها تكون خاضعة للتجربة .. بل التجربة لايمكن لها أن تصل إلى أمر ماوراء الحس , فهناك مجموعات من التصديقات والإذعانات التي يذعن بها العقل البشري خارجة عن إطار الحس , وإذا خرجت عن إطار ودائرة الحس فهي تكون غير خاضعة للتجربة مثل الأمور ( الوجدانية كالحب والأخلاق والخوف ) فهذه المفاهيم لاترى ولاتحس , وهي بذلك لاتدخل في دائرة المختبر التجريبي .. وهذا يدل على إن هناك طريق أخر غير التجربة .
2- إن هذا الطريق يفقد عنصر التعميم , بمعنى إن الحس والتجربة , لاتثبت إلا ماوقعت عليه عين التجربة أو يد الحس .. مثلاً .. إذا أنت لمست النار , هنا الحس يقول هذه النار التي أمامي ألان حارةٌ .. وليس كل نار حارة ؟؟
هذه الحديدة تمددت بالحرارة وليس كل حديد يتمدد بالحرارة .. لان الذي يعمم ويعطي حكم التعميم ليس الحس والتجربة , إنما هو ( العقل ) وهنا يصبح هناك مصدر أخر للمعرفة غير المادة والمادية والتجربة .. فبعد أن يجرب الحس على عدة أنواع من الحديد .. هنا يأتي دور العقل ليقول ويحكم إن كل حديد يتمدد بالحرارة , لان الحس لا يمتلك إعطاء صلاحية العموم والشمول في الأحكام فهو يقول ما لمستهُ حكمهُ كذا .. ما نظرت إليه حكمه كذا .. إذن هناك طريق أخر غير التجربة وهو العقل …
لذلك فالإلحاد شأنه كباقي الحركات والأحزاب والمنظمات الفكرية والمدارس الفلسفية في التأريخ من حيث الرؤية والأسس الخاصة فهو يحاول أن يزيح من طريقه كل ما يعكر وحدة وجودهِ ويهددها حتى لو كان ذلك التهديد هم المثقفين والمتنورين والعلماء .. فمنذ بداية عصر التنوير على يد الثورة الفرنسية التي انطلقت عام 1789م , لم تكن الأجواء ايجابية للمثقفين ,بل كانت تحمل على يد المستبصرين الملاحدة إلا البؤس والشقاء للمثقفين , فقد أقدموا على إعدام العالم الكيميائي (أنطوان لافوزييه) , مكتشف الأوكسجين ,,, وأول من صاغ قانون حفظ المادة,, ,وقانون بقاء الكتلة ,,, وساعد في تشكيل نظام التسمية الكيميائي, وأول من أنتج الغاز المائي .. والذي اعدم عن طريق قص الرأس في المقصلة على يد الثورة الفرنسية التنويرية في 8 مايو عام 1794م .. والذي قال القاضي حينذاك قولته الشهيرة ( إن الثورة لاتحتاج إلى عباقرة ) …
وإذا أردنا الغوّر في عمق المستعمرة الإلحادية ونذكر رجالاتها الشاذة فسنجد إن كل مادي على وجه البسيطة لم يهنأ في حكم ملحد على الإطلاق ,ولهذا نعتقد إن الاطلاع وتحصين النفس بسلاح العلم هو المأمن من كل اعتقاد فاسد , فنصرة الدين والقران ضد النظريات والإلحاد الغربي لا تكون إلا كما قال المحقق الصرخي (( ولتكن النصرة الحقة … في الدرس والتدريس والتحصيل في طلب العلم وتحصين الفكر والقلب ونفوس المؤمنين .. ولنكتب الشعر وننشد ونهتف ونرسم وننقش للنبي الكريم وحبه وعشقه الإلهي الأبدي .. ))