19 ديسمبر، 2024 3:33 ص

“ما طار طيرٌ وارتفع …إلا كما طار وقع”
هذا قول قديم يلخص مسيرة أية قوة فوق التراب , فالصعود لا يدوم , والبقاء على القمة لا يطول , فحالما تتوطن القمة تنتابك مخاوف الإنحدار إلى السفوح , ولهذا تتبادل القِوى دورها في الحياة , وتتغير الأحوال من حال إلى حال , فالوجود في دوران دائب وإنتقال واجب.
مرّت على الدنيا قِوى متعددة ومتنوعة , وما أن بلغت ذروتها وأطلقت ما فيها من العنفوان , حتى خمدت وإفترستها قوة صاعدة تريد أن تقوم بدورها إلى حين.
وما يجري في عالمنا لا يحيد عمّا جرى فيما مضى من العصور , فهناك قِوى تنحدر وأخرى تتسلق سلم الإقتدار , للقبض على مصير غيرها من القِوى المترنحة في وديان الرحيل.
ولا جديد في الأمر , إلا أن تقارب الدنيا وتصاغرها وتواصلها , جعل الأعمار قصيرة , والهيمنة مشتركة لا فردية , ففي واقع القِوى التي تمكنت , أنها تستخدم العقول وتستقدمها من أنحاء المعمورة , ولا تكتفي بما عندها من الطاقات , أي تحاول أن تصنع وجودا كوكبيا مقتدرا لبسط نفوذها على الجميع.
لكن بعض المجتمعات لديها كثرة بشرية وعقلية وطاقات تصنيعية وإبتكارية , وربما لا تحتاج لغيرها من أبناء الدنيا , وتسلقت سلم الرقاء بسرعة وقوة وإقتدار غير مسبوق , مما جعلها مؤهلة لقيادة العالم إلى زمن معلوم , وقد تتكاتف ضدها قِوى ذات شأن لردها عن مسارها الصاعد , ومحاصرتها عند القمة , لتنحدر بسرعة محكومة بإرادة الجاذبية المتناسبة طرديا مع وزن الجسم المتدحرج , مما يجعلها تتسارع وترتطم بفوة في وادي الغياب.
إذن نحن أمام قِوى تنحدر وأخرى تتسلق , والقمة هدفها وعليها تتحقق نهايتها , وفقا لقوانين الوجود الدوّارة , التي لا تسمح ببقاء الحالات على وضعها مهما حاولت وتوهمت , بل عليها أن تدرك مصيرها وترسم خارطة خطاها , لكي تترك ما يشير إليها بإحسان.
ويبدو أن المتغيرات الفاعلة في الواقع الأرضي تجري بعنفوان , ويُخشى أن تنتهي إلى تصارعات ذات تاثيرات فادحة تصيب البشرية بمقتل , لأن العديد من المراكز المقتدرة قد بلغت الذروة , وعليه فلا يمكن للحالات أن تستقر , بل ستصاب بالقلق والإضطراب وتمضي إلى حتفها المعلوم رغما عنها , وبفعل تكاثف قِوى ذات تطلعات أخرى.
فهل ستنحرف المسيرة البشرية عن مسارها بزاوية حادة , أم أنها ستخضع لإرادة الدوران وتتحرك على محيط دائرة؟
إنه سؤال محيّر تكنز جوابه الأيام!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات