الإعلام والسياسة صنوان لا يفترقان

الإعلام والسياسة صنوان لا يفترقان

لا يمكن الحديث عن الإعلام بمعزل عن السياسة، ولا عن السياسة دون المرور على الإعلام. فالعلاقة بينهما تتجاوز حدود التلاقي إلى ما يشبه الاندماج، حيث يشكل كل منهما وسيلة وأداة للآخر، حتى يصعب التفريق بين أين يبدأ تأثير السياسة وأين ينتهي حضور الإعلام.

فالسياسة، بما تملكه من نفوذ وسلطة، أدركت منذ زمن بعيد أن الإعلام هو ذراعها الأطول، والأكثر قدرة على الوصول إلى العقول والقلوب. لم يعد الخطاب السياسي يقتصر على المنابر التقليدية أو قاعات البرلمانات، بل بات يحتاج إلى شاشة تلفاز، أو موقع إخباري، أو حتى تغريدة عابرة لتبلغ الرسالة جمهورها. الإعلام هنا يصبح سلاحًا ناعمًا، يعيد صياغة الرأي العام، ويُدخل الأحداث في قوالب تخدم الاستراتيجيات السياسية، سواء عبر الأخبار العاجلة أو البرامج الحوارية أو حتى المسلسلات التي تحمل رسائل مبطنة.

لكن الإعلام، من جانبه، ليس مجرد ناقل أو تابع مطيع، بل هو أيضًا لاعب رئيسي يعرف كيف يستثمر السياسة. فالمؤسسات الإعلامية، الرسمية منها والخاصة، تدرك أن السياسة مصدر ثري لا ينضب: أخبار يومية، تصريحات، قرارات، أزمات، وحتى صراعات. كلها مواد خام تملأ ساعات البث وصفحات الصحف، وتجذب المعلنين والجماهير على حد سواء. السياسة بالنسبة للإعلام هي المادة التي تبقيه حاضرًا في واجهة الاهتمام، وتمنحه قوة اقتصادية عبر الإعلانات، وقوة معنوية عبر متابعة الناس له كمرجع أول للأحداث.

من هنا، يتبين أن العلاقة بين الإعلام والسياسة ليست علاقة ندية بقدر ما هي علاقة تبادلية قائمة على المصالح. السياسة تبحث عن المنصة التي تمنحها الشرعية والانتشار، والإعلام يبحث عن المادة التي تبقيه حيًا وفاعلًا ومؤثرًا. غير أن خطورة هذه العلاقة تكمن في غياب التوازن: فإذا استبدّت السياسة بالإعلام، تحوّل إلى صوتٍ يردد ما يُملى عليه. وإذا أسرف الإعلام في استغلال السياسة، تحولت القضايا العامة إلى سلعة، تُستهلك بالخبر العاجل وتُنسى في اليوم التالي.

الإعلام والسياسة إذن صنوان لا يفترقان؛ كلاهما يحتاج إلى الآخر، وكلاهما يملك القدرة على تشكيل وعي المجتمعات، لكن الرهان الحقيقي يظل قائمًا على وعي المتلقي، الذي يستطيع أن يميز بين الحقيقة والتهويل، وبين الخبر والمصالح الخفية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات