لم يعد (الإعلام) بمفهومه الكلاسيكي المتعارف عليه ، يهتم فقط بمهام (الإخبار) و(نقل الحقائق) كما يفترض به ان يكون، ولكن (
المهمة الصعبة) التي أريد للاعلام أن يكون أحد أدواتها هي مشاركته في حملات الصخب الدعائي لمختلف التوجهات السياسية
والدعائية وبابا من أبواب الحرب النفسية، التي يرى فيها البعض (ضالته) لإستخدام خبراته المهنية في هذا المجال، لطرق ابواب
الحرب النفسية من اوسع أبوابها!!
وفنون الاتصال والاعلام مثل (الفبركة) و (التلفيق) و (الاختلاق) موجودة منذ أزمنة قديمة، منذ ان وجدت البشرية على هذه الارض،
لكن وسائلها والياتها تطورت مع مرور الزمن وسرعة تطور تقنيات الاعلام اسهمت في تطور آليات هذه الحرب الدعائية الشرسة ،
وهي (علم) يدرس في أكاديميات وربما معاهد خاصة ، تتقن (صناعة) هذا الفن لغايات سياسية ودعائية، وتكاد صحفنا ووسائل اعلامنا
وبخاصة في الفضائيات هي من تعد (المسرح) الامثل لاستخدامات من هذا النوع ، في ظل (تنافس) و (صراع) سياسي واعلامي مرير
بين القوى السياسية والمجتمعية كل يريد ان (يستهدف) الآخر، حسب ما يمتلكه من خبرات وتجارب، وبعضهم يدخل (سباقات) من هذا
النوع وينغمس في أتونه، وهو يحاول ان يمارس كل تلك الفنون، ليخلط بينها خلطات عجيبة غريبة، بعضها يكاد يكون (مقنعا) والآخر
ليس كذلك، وبعضها يتم (اكتشاف) خداعه وتضليله وزيفه من اول وهلة، لكن (الاصعب) و(الاكثر دهاء) هو من لايجعلك تكتشف (
خلطته) وتركيبته ، وتكاد تصدق به او يمر عليك مرور الكرام وكأنه (حقائق)!!
لقد كانت هناك (اتهامات) متبادلة بين الاتحاد السوفيتي السابق(روسيا) وجهازها المعروف بالـ (كي جي بي) حاليا والولايات المتحدة
وجهازها الـ ( سي آي أي) والغرب عموما، بإستخدام (خبرات دعائية وحملات حرب نفسية) كل بلد ضد الآخر، وضد شعوب المنطقة،
في مجالات واسعة لاستخدام فنون الخداع والتضليل والتلفيق والفبركة والاختلاق، ولم تتوقف تلك الحملات الصاخبة حتى الان،
ووجدت بعض القوى السياسية المعاصرة ان تلك التجربة يمكن ان تنقل بعض خبراتها الى منطقتنا، فإنساقت أبواق اعلامية كثيرة،
وراحت (تلهث) وراء هذا النوع من الحرب النفسية، ووجدت فيه الصحافة العربية والعراقية الارض الخصبة التي تتناقل ألوانا مختلفة من
تلك التوجهات الدعائية، وهو ما يشكل الظاهرة الاكثر خطورة على مجتمعاتنا وعلى الاعلام نفسه، الذي راح يتهمه الكثيرون بأنه
أصبح (بوقا) لهذه الجهة او تلك، كل يغني على (ليلاه) بما يخدم توجهات هذا الطرف او ذاك، في حملات الصخب الدعائي التي
تحتدم هذه الايام، ويصل بعضها حد (كسر العظم) بين القوى التي (تتصارع) على ارض العراق وعلى مقربة من ساحات دول الجوار
والمنطقة، بل على صعيد دولي!!
و(الفبركة) في الاعلام،تعني (تضمين) (بث) معلومات (مختلقة) بين (ثنايا) معلومات اعلامية قد تكون صحيحة، ويتم خلطها لتخرج
بالطريقة التي ترغب جهة ما بانتشار توجهاتها بين اهتمامات الجمهور، وقد تستهدف (جهة سياسية) او (جهات سياسية) او مجتمعية
او دينية او اقتصادية او ثقافية ، يكون فيها (التضليل) و (الخداع) احد اهدافها، أما (الاختلاق) فهو في الغالب (فبركة شاملة) للحقائق
وتحويلها الى (أكاذيب) ومعلومات مضللة بالكامل، أي ان (الاختلاق) هو اكثر شمولا ويكاد يكون (الأخطر) وقد اجادت فيه (الدعاية
الايرانية) والغربية عموما في منطقتنا ايما إجادة، وهو ما أردنا توضيحه للجمهور الذي يتلقى اطنانا من التوجهات الدعائية يتلقفها كل
يوم، ويصعب عليه في احيان كثيرة (الفرز) بينها، وقد يكون الهدف تحويلها الى (حقائق) عل الجمهور يصدقها، أو تزرع لديها حالات
من (الشك) بشأنها، وتجعله (يحتار) في الحكم عليها، وهذا هو هدف حملات الحرب النفسية في المقام الأول!!