الإعلام بين الميوعة والابتذال

الإعلام بين الميوعة والابتذال

الإعلام، هذا السلاح الذي يحمل بين طياته القوة والتأثير، لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو تبادل المعلومات، بل أصبح أداةً توجه العقول، وتصوغ الثقافات، وترسم ملامح المجتمع.
وبينما يُفترض أن يكون الإعلام منبرًا للوعي والتنوير، بات في كثيرٍ من الأحيان أسيرًا للميوعة والابتذال، يستهلك القيم بدل أن يغرسها، وينشر السطحية بدل أن يعمق الفهم.
وقد وجدنا في الكثير من البرامج والقنوات، التي يُغلب الطابع الترفيهي على المضمون، حتى في أكثر القضايا جديةً.
يتحول الخبر إلى استعراض، والتحليل إلى جدلٍ فارغ، والحوارات إلى صراعات عبثية لا تسمن ولا تغني من فكر.
فبدلًا من تقديم محتوى يُثري العقول، نجد إعلامًا يرسّخ ثقافة الاستهلاك السريع، يلاحق الإثارة، ويبتعد عن العمق، فيصبح المشاهد مشدودًا إلى عالمٍ من التفاهة، حيث تغلب الضوضاء على الفكرة، ويضيع الجوهر وسط التفاصيل الفارغة.
وبعد التفاهة والمضامين الفارغة يأتي دور الابتذال الإعلامي الذي لم يعد يقتصر على الألفاظ السوقية أو المشاهد الصادمة، بل تمدد ليشمل طريقة العرض وأسلوب الطرح، حيث تُسخَّر وسائل الإعلام لخدمة أجندات تسويقية وتجارية، فتروّج للسطحية، وتُهيمن عليها لغة الإثارة الرخيصة بدلًا من التحليل العميق.
بينما تنجرف بعض البرامج إلى استجداء العواطف بطريقة مُبالغ فيها، وتُغرق الشاشات في قضايا مفتعلة تُثار لا لشيء سوى لزيادة نسب المشاهدة وجذب الانتباه، دون اعتبار لمبدأ المسؤولية الإعلامية أو التأثير الاجتماعي.
ومن هنا أصبح الإعلام المسؤول حاجة ملحّة
لا رفاهية،فلا يمكن إنقاذ الإعلام من مستنقع الميوعة والابتذال إلا بالعودة إلى أسس النزاهة المهنية، وتقديم محتوى يُحترم فيه عقل المشاهد، ويُحفظ فيه الذوق العام، وتُراعى فيه القيم الأخلاقية والمعرفية.
فالإعلام القوي ليس الذي يُثير الضجيج، بل الذي يُحدث الوعي، ويترك أثرًا
لا يُمحى في الفكر والثقافة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات