ربما لا يوجد إعلام حُر في بلادنا وإنما إعلام مرّ كالزَهَرْ أو العلقم , لا يمتلك رؤية وطنية إنسانية وتصورات حضارية معاصرة , وكأنه إعلام إنعكاسي إنفعالي مسطح بتحليلاته وما يتناوله من موضوعات ويطرحه من أفكار وتصورات.
إعلام فئوي مغلق ومُبرمج وفقا لأليات الأحداث والويلات والتفاعلات الباكية اليائسة البائسة , التي تحبب الأوجاع والآلام والعجز والفقر والتبعية والهوان والذل والإذلال والخراب والدمار.
إعلام مُضحك مُبكي , فعندما نقارنه بالإعلام الوطني الإنساني العالمي , يظهرإفتقار القدرات الإعلامية الماهرة , وتحول وسائل الإعلام إلى أبواق حزبية وفئوية وطائفية بحتة , لا فرق بينها وبين أي إعلام إستبدادي طغياني متعنت , وتحسبه تعبيرا عن الديمقراطية والحرية , وعندما تتساءل , يكون الجواب جاهزا على أنه إعلام حرّ!!
فأية حرية تلك التي دمرت كل شيئ في الوطن وحولت البلاد إلى جحيمات , وكأن مدنها ثكنات عسكرية , أية حرية في إعلام ينكر الوطن والمواطنة والوطنية , ويتغنى بإعتبارات وتوصيفات مضادة للمصالح الوطنية , ويُعلن أنه إعلام مؤدلج وفقا للقدرات التي تموله وتسعى من ورائه إلى تسويغ أجنداتها المدمرة المتوحشة.
إعلام بلا إعلاميّن ولا مفكرين ولا نظريات وطنية ولا ثقافة حضارية إنسانية واعية , وإنما يقوده الجاهلون المتحاصصون المُدّعون بالثقافة والمعرفة , ويريدون فرض ما فيهم من الخزعبلات على الإنسان المعاصر في زمن العولمة والتواصل المعرفي المطلق , ويتناسون بأن الإناء ينضح بما فيه , وأن منطقهم يكشف هوياتهم وما يكنزونه من شرور وعواطف سلبية مقيتة , يحاولون أدلجتها وتسويقها على أنها من أركان الفضيلة والخير.
ووفقا لهذه التناقضات القائمة فيهم دمروا الدنيا والدين والوطن والإنسان!!
فإعلامنا مدمّر ومتوحش وضارب في العدوانية الذاتية والوطنية , وبارع في تأجيج الصراعات وصناعة الأزمات , وتحقيق أقصى درجات الخسائر الوطنية والإنسانية في بلادنا المقهورة بنا , والمأسورة بجهلنا وبقلنا السياسي والوطني , وتبعيتنا المقيتة المقرفة المذلة المخزية!!
فالأوطان والمجتمعات بحاجة لإعلام وطني غيور يذود عن مصالح الوطن والمواطن , لا إعلام فئات وطوائف وأحزاب باهتة تتمتع بأمية وطنية وسياسية فائقة , تسعى لفرصة للمساهمة في الفساد والإفساد , وتبرر مخازيها بأطهر وأنبل القيم والمبادئ والمُثل السماوية والدنيوية.
فهل سنستيقظ ونبني إعلاما صالحا ونتحرر من أصفاد هذا الإعلام المر المرير؟!!