الإعلام يبدو وكأنه ساحة حرب متأججة فتاكة تحتشد فيها الأقاويل والأكاذيب والإفتراءات , وتضيع الحقائق والأدلة والبراهين , ومادة الإعلام أموال طائلة وأنظمة متأسدة , وأجهزة لا يعلم بمسمياتها إلا الراسخون في الظلم والقهر والعدوان.
الإعلام سوح وحوش متعاوية , وغاب إحتدام ما بين الضواري السابغة الشرسة , الصائلة على فرائسها بعدوانية سافرة وقسوة ظافرة.
الإعلام إظلام وإيهام وإجرام!!
ففي زمن الثورة المعلوماتية والتواصلية الخلاقة المتنوعة , صارت الأقلام الممولة تتسيّد وتتأكد وتسويقها يمضي على إيقاعات عالية , وأبواق الكراسي والمصالح لا تهدأ وتتكاتف لتحقيق الأهداف المطلوبة والتشويشات المرغوبة , وبهذا ينتصر الباطل وينهزم الحق , ويتعزز الكذب ويندحر الصدق , وتُصادر الأفهام , وينتشر الإبهام , ويتحوّل البشر إلى فرائس سهلة وصيدا في شِباك القابضين على مصير الحُكام.
إنها لنكبة حضارية معاصرة تشارك في ديمومتها الأقلام , وتغذيها بمداد المال المتاجر بالبشر , وبأقياح الأحقاد والكراهيات والإنتقام.
إنه الإعلام السائد في مجتمعاتنا والذي لا يشبهه إعلام!!
قنوات تعددت وتنوعت وتأدلجت وتقاتلت على الهواء , فما أن تنتقل من قناة تلفازية إلى أخرى حتى تجد وكأنك تنتقل من عالم إلى عالم آخر متوحش الطباع , وجميعها تنطق العربية وتُبث من بلاد عربية وبعضها من أجنبية ذات مصالح بإهلاك العرب.
وكذلك المواقع على شبكات الإنترنيت فهي متعادية , متناقضة , متكالبة , تنطق بلغة واحدة وتعبر عن مشارب ومذاهب تسعى لمحق بعضها , ولا تستند في طرحها على برهان أو دليل , وإنما التزييف دينها وديدنها , وتراها تمارس الدعارة الإعلامية , وفيها أقلام عاهرة وسماسرة مهرة.
وتحتار في أمر أمة جعلت كل ما ينفع البشرية يضرها ويمزقها ويهلك نسلها ويجفف ضرعها , وما إستفادت من التقنيات المعاصرة إلا بتدمير ذاتها وموضوعها , وكأن فيها رغبات إنتحارية لا واعية تأخذ بها إلى مصير مشين.
فلماذا إعلامنا لا يشابه إعلام بشر الدنيا؟
ولماذا أقلامنا ضدنا؟
ولماذا الأقلام تتعبّد في محاريب الكراسي ؟!!