18 ديسمبر، 2024 11:58 م

الإعلام العراقي…فوضى الديمقراطية

الإعلام العراقي…فوضى الديمقراطية

بعد سقوط النظام السابق في العراق عام ٢٠٠٣ وظهور حالة من الديمقراطية والحرية في التعبير عن الرأي والرأي الآخر خصوصا بعد أن كان الإعلام الحكومي الموجه هو الملجأ الوحيد للرأي العام في العراق. حيث كان يستخدم هذا الإعلام في توجيه الرؤى والأفكار لخدمة أهداف النظام وغالبا ما استخدم النظام ذلك الإعلام لتبرير فشل سياساته ولذلك بدأت مرحلة جديدة بعد عام ٢٠٠٣ تمثلت في إصدار صحف عديدة وتوجهات ومسميات أكثر بعضها لأحزاب وأخرى مستقلة جعلت هناك فضاء واسع لانتشار هذه الصحف خصوصا وأن القارئ العراقي كان متعطشا لهذا النوع من الصحف بعد أن كانت الصحف في زمن النظام السابق عبارة عن نشرات او ملصقات تجمل سياساته.
واستطاع القارئ العراقي أن يستوعب هذه الفوضى في مسميات الصحف وأنواعها وأصبحت الساحات وارصفة بعض الشوارع تعج بعناوين كثيرة لصحف بعضها حزبية وأخرى مستقلة وأخرى تابعة لمؤسسات حكومية لنشر نشاطاتها. بل من الطريف أن أحد أصحاب محلات بيع الحلويات (العوامات) قام بإصدار صحيفة ضمت هيئة تحرير وصحفيين، وآخر صاحب مستشفى اهلي أسس صحيفة ظنا منه أن الاعلانات والتمويل الذي سيحصل عليه سيغنيه عن اجور علاج المرضى وهموم المستشفى.
اما عن تمويل هذه الصحف فقد اختلف عليه من تمويل داخلي او خارجي من بعض الدول كأمريكا وبعض دول الخليج ودول الجوار.
الا ان هذه البحبوحة في الحرية الإعلامية لم تدم طويلا إذ بدأت الصحف العراقية بالانحسار تدريجيا خصوصا بعد عام ٢٠١٠ لعدة أسباب منها انسحاب الجيش الأمريكي من العراق والذي كان يمول عددا لا بأس به من الصحف وبداية مرحلة التقشف الحكومي بعد انخفاض أسعار برميل النفط ولذلك بدأت الكثير من عناوين ومسميات صحف عراقية بالذوبان والاختفاء وبدأت عجلة إصدار الصحف بالتباطئ تدريجيا بسبب قلة الدعم المادي لها وبسبب اعتماد القارئ العراقي على المعلومة مباشرة من الفضائيات خصوصا بعد انتشار (الستلايت) او شبكة الانترنت لدى العائلة العراقية بعد أن كان محرما في زمن النظام السابق وعدم وجود صحافة تصدر مساءا لمواكبة سرعة الحدث ، الأمر الذي جعل المواطن يعزف عن شراء الصحيفة التي تنشر خبرا قد استهلك تداوله إضافة الى إدراك القارئ أن اغلب الأخبار والمعلومات المنشورة في الصحف عن الوزارات والمؤسسات الحكومية ماهي الا اوهام كاذبة ووعود تفتقد المصداقية وهي مجرد حبر على ورق. ولذلك أصبح هناك عزوفا كبيرا على قراءة واقتناء الصحف العراقية.
وفي هذه الأثناء برزت ظاهرة خطيرة ازداد بسببها تهاوي مصداقية الكثير من الصحف تتعلق بقضية تمويل هذه الصحف حيث كانت هناك صفقات متبادلة مع بعض هذه الصحف وبين مؤسسات حكومية تتضمن هذه الصفقة تبادل المنفعة بان تقوم الصحيفة بنشر اخبار ونشاطات الوزارات والمؤسسات الحكومية مقابل نسبة من الاعلانات يتم تسليمها إلى الصحيفة لنشرها مقابل الاستفادة منها ماديا. وهي صفقات زادت من الهوة بين القارئ والصحيفة خصوصا بعد فقدان الصحيفة المصداقية في نشر الاخبار الغير واقعية.
وقد ساهمت مرحلة التقشف التي مرت بها الحكومة في انخفاض مناسيب السيولة المادية من خلال الاعلانات والتي كانت تعتمد عليها بعض الصحف لاستمراريتها.
وبعد هذه الأزمات المتلاحقة أصبحت أعداد وعناوين الصحف الصادرة اليوم في العراق لا تتجاوز عدد أصابع اليد معتمدة في أغلب اخبارها على مواقع الانترنت وهي نفس المصدر الذي يعتمد عليه القارئ للحصول على المعلومة او من مواقع التواصل الاجتماعي. وأصبحت طباعة هذه الصحف لا تتجاوز الألف نسخة في احسن الأحوال قياسا الى ملايين القراء في العراق ولازالت الصحف الورقية في انحسار خصوصا بعد ظهور الصحافة الإلكترونية التي بدأت تأخذ دورها بدل الصحافة الورقية وبذلك انتهى ما يسمى (التوثيق) التي كان يعول عليها المناصرين للصحافة الورقية.

الفضائيات العراقية:
لم تكن الفضائيات العراقية بعد عام ٢٠٠٣ بأحسن حال من الصحف حيث بدأت هذه الفضائيات بداية مشابهة لمرحلة تأسيس الصحف مع فارق أن تأسيس قناة فضائية يتطلب رأس مال اكبر وتكلفة حجز تردد على القمر الصناعي وكادر أكثر مما هو في الصحيفة، وهكذا بدأت هذه الفضائيات العمل ولكن بأعداد اقل من الصحف وانقسمت إلى فضائيات أحزاب وأخرى مستقلة.
اما فضائيات الأحزاب فأغلب هذه القنوات تتبع لأحزاب دينية تعمل وفق توجهات ذات طابع اسلامي تأتمر بأوامر الحزب الذي يمول القناة (شبيهة بالإعلام الحكومي) ولذلك أصبحت أغلب برامج هذه الفضائيات ذات طابع لا يتخطى حدود الدين يكون في بعض الأحيان منفرا للمشاهد الذي يميل للبحث عن الترفيه والمرح والموقف الضاحك بسبب صعوبة وقسوة الحياة المعيشية التي يحياها المواطن العراقي وبسبب فقدان هذه الأحزاب المصداقية في إيجاد حلول له. لذلك تدنت مستويات نسبة مشاهدة هذه الفضائيات.
اما بالنسبة للفضائيات المستقلة فقد برزت مشكلة التمويل في ادامة استمرارية هذه الفضائيات والتي اغلقت بعضها لهذه الأسباب.
وتمول الأخرى بطرق قد تكون (مشبوهة) وتكون نسبة الاعتماد على المادة الاعلانية قليلة جدا او معدومة بسبب الركود الاقتصادي في البلد واعتماده على المستورد وتوقف حركة القطاع الخاص والمصانع التي كان من الممكن أن تكون عاملا مهما في انتشار الحركة الاعلانية والدعائية للمنتوج. وهنا يمكن أن نلاحظ بعض الأمور التي تتشابه بها كل الفضائيات العراقية أن كانت حزبية أو مستقلة. وهي انها تقدم نفس البرامج ذات مضامين واحدة لا تختلف عن بعضها سوى بعناوين هذه البرامج فمثلا كل الفضائيات تشترك بإنتاج برامج تتلخص بنزول المراسل إلى الشارع وتجواله بين الناس مع شعار القناة logo يستقبل المواطنين ويستمع إلى آرائهم ومشاكلهم في الشارع وهي برامج تتوحد بها جميع القنوات. إضافة إلى أن المشاهد يرى في كل فضائية وجه او وجهان إعلاميان يكونان الأبرز في الظهور في تلك الفضائيات او هم أصحاب المساحة الأوسع ظهورا في ساعات البث الفضائي وقد يكون ذلك بسبب ضغط النفقات وترشيد المصروفات من رواتب العاملين في القناة وتقليل عدد الموظفين.
وهنا يجب أن لا نغفل عن ملاحظة مهمة جدا وهي أن غالبية الصحف والفضائيات العراقية لا تتمتع بحصانة اعلامية فدائما ما تكون أغلب هذه الوسائل الإعلامية مخترقة لأهداف قد تكون مشبوهة او غير واضحة المعالم ولذلك يلجأ المواطن إلى الفضائيات العربية او الأجنبية او الانترنت او مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن المعلومة او الخبر وهو في اعتقادنا أن المتلقي سيصاب بحالة من التشويش خصوصا عندما يكون هناك تضارب في مصادر الأخبار بسبب عدم وجود مراسلين يقومون بنقل الحدث من موقع الحدث والاعتماد على وسائل أخرى في الحصول على المعلومة بسبب تدني التمويل وهو مايسجل خللا كبيرا في الإعلام العراقي.