الإعلام السني العراقي وقنواته الفضائية، إعلام علماني طائفي عنصري مهاجم، ويجري الحقد على الشيعة في عروق أصحابه مجرى الدم، رغم أن علمانيته انفلاتية لا أخلاقية وليست فكرية، ولا علاقة لها بعلمانية “لوك” و”فولتير” و”ديدرو” و”سبينوزا” و”ماديسون” و”ميل”، لأن هؤلاء الطائفيين ليس لديهم فكر، إنما علمانيتهم تتلخص في الانفلات الديني اللا أخلاقي، وهي التي أسسها نظام البعث الطائفي العنصري الفاسد وطبّقها صنمه صدام بكل تفاصيلها.
المنظومة الإيديولوجية الطائفية العنصرية للإعلام السني العراقي، همّها الوحيد منذ العام 2003، ضرب عناصر القوة الشيعية في الصميم، من داخل الواقع الشيعي نفسه، وهي في هذا المجال، متفوقة في صناعة الفتن المعقدة والشغب المركب والمشاكل العويصة للواقع الشيعي، بأساليب لم تعرفها شعوذة “راسبوتين” ولا جنون “إيفان” ولا نازية “هتلر” ولا شوفينية “موسوليني” ولا فاشية “ستالين” ولا كولونيالية “روزفلت” ولا حتى ثقافة عصابات المافيا.
ولا تزال هذه العقول اللا إنسانية أمينة لموروثها الفاسد، وتصول وتجول على مرآى ومسمع من الدولة العراقية ومؤسساتها المعنية، ومن الأحزاب والمؤسسات الشيعية السياسية والدينية والاجتماعية، برغم خطرها العظيم على الأمن المجتمعي، وقدرتها الفائقة على النفوذ في عمق الواقع الشيعي والتأثير فيه وتحريكه ضد نفسه، وصولاً إلى محاولة صناعة هوية شيعية مضادة للذات، وهذا هو الفساد الأعظم الذي يفوق خطر الفساد المالي والإداري والفشل في الدولة.
لقد كان نظام البعث يقمع ويقتل ويدمر على خلفية طائفية عنصرية، واليوم الإعلام الطائفي السني وقنواته الفضائية، يمارس أبشع ألوان الفتنة على خلفية طائفية أيضاً، وهي فتنة أشد من القتل البعثي. ويكفي ما يقوله أصحابها، بأن وجودنا في العراق الجديد هو تخريب الدولة وتدميرها، وليس المساهمة في بنائها، وهي أقوال موثقة.
العقل الدعائي السني يخطط للإعلام والدراما والفنون والموسيقى قبل كل شيء، تخطيطاً دقيقاً وعملياً. وتدعمه في ذلك أنابيب الدولار التي تضخ له بقوة من أمريكا وتركيا وقطر والسعودية والإمارات، وهي عمليات تمويل موثقة، ومنها ما كان يُضخ في الأعوام 2019 -2022 لتمزيق المجتمع الشيعي العراقي ولضرب العملية السياسية والدولة العراقية، وكيف كانت تصل عشرات ملايين الدولارات من الطائفيين السعوديين والإماراتيين، الى ذيولهم الطائفيين في العراق.
وأجد مناسباً هنا التذكير بأن الذي أطلق مصطلح (الذيول) وغيرها من المصطلحات القبيحة على الشيعة المتعاطفين مع الجمهورية الإسلامية أو المتحالفين معها أو الرافضين لمحاولات تمزيق المجتمع الشيعي وحرق الوسط والجنوب، وهم الأغلبية الساحقة من شيعة العراق والعالم، هو الإعلام الطائفي السني العراقي، وهذا موثق بالصورة والصوت والساعة، وحينها بلع الطعم بعض المغفلين الشيعة، وأخذوا يرددوا هذه المصطلحات، كما بلع بعض ضعاف النفوس الشيعة عفن نظام البعث بعد العام ١٩٦٨، وصاروا (طبّالين) و(ردّاحين) و(حطباً) له، وألسنة سليطة تشتم الشهيد الصدر والحركات الإسلامية العراقية وعلماء الدين المجاهدين والجمهورية الإسلامية والإمام الخميني، وكل من يرفض قمع نظام البعث وطائفيته وعنصريته وإجرامه.
والمفارقة أن 60% من الإعلاميين البارزين والمراسلين والممثلين والفنيين والتقنيين في القنوات الطائفية السنية والكردية (الناطقةبالعربية) هم من الشيعة. وهؤلاء أغلبهم مضطر للعمل فيها، وأنه سيتركها لو أتيحت له الفرصة المهنية الحقيقية في إعلام شيعي متطور ومهني، يدرك استحقاق الإعلامي والفنان من النواحي المادية والمعنوية، وحينها ستصاب مدافع جميع القنوات السنية الطائفية الموجّهة ضد الشيعة، بالعطل الدائم.
لا شك أن الإعلام السني العراقي وقنواته الفضائية، قوي ومتفوق على الإعلام الشيعي، من النواحي المالية والفنية والمنهجية والمهنية، وهو ينفث السم الطائفي ضد الشيعة بالتفوق والقوة نفسيها، ويعمل على تخريب الوطن والدولة والمجتمع، ولكن بكثير من الخبث والدهاء والمرونة، إلى المستوى الذي لا يحس به أو يستشعره 60% من المشاهدين الشيعة.
أما الإعلام الشيعي العراقي وقنواته؛ فهو إعلام مدافع ومتردد إلى حد البؤس أحياناً، ويطلب رضا المكونات الأخرى بطريقة تثير الشفقة، ويتشدق بالوطنية والوحدة واللحمة، أكثر من الاستحقاق العاطفي والقانوني والسياسي لهذه المفاهيم الأساسية، الى حد الخروج على الثوابت الإسلامية أحياناً، أو الخروج على استحقاق الأغلبية الشيعية أحياناً أخرى، لكي يدفع عن نفسه تهم التبعية والذيلية والعمالة التي يكبِّل بها الطائفيون عقله وشعوره، رغم أن الطائفيين لا يؤمنون بالوطن ولا الوطنية ولا العراق ولا دولته، بل يؤمنون بأن يكونوا في السلطة فقط، حتى لو احترق العراق من شماله الى جنوبه، كما فعل نظام البعث.
ولذلك؛ من البديهي أن لا ينطوي خطاب الإعلام الشيعي العراقي وقنواته التلفزيونية، على أية تحريضات وتعصبات طائفية عنصرية تستهدف المجتمع السني وتعمل على تمزيقه، بل يكون بعض هذا الإعلام ــ أحياناً ــ سنياً أكثر من السنة، لأنه يسوغ لضعفه ــ خطأ ًـبأنه (أم الولد) الذي يجب أن يضحي لإرضاء إخوانه في الدين والوطن، وهو تسويغ خاطئ واستغفالي، على العكس من الإعلام السني العراقي المهاجم في أساليبه، والشرس في طائفيته، والثابت في خطابه الفتنوي الموجه الى الشيعة.
ويتماهى الإعلام الشيعي وقنواته مع عقيدته بيئته الاجتماعيةوعاداتها وتقاليدها، وهو بذلك يعبِّر عن عقائد شيعة العراق وطقوسهم وتقاليدهم، وخاصة في البعد الديني والمذهبي وإحياء ذكريات آل البيت، باعتبارها عادات وتقاليد ٦٥ % من الشعب العراقي، سواء أحبّها الطائفيون أو كرهوها، وسواء كانت جيدة أو سيئة من وجهة نظرهم، ومن لا يعجبه ذلك؛ فتلك مشكلته.
و مشكلة الإعلام الشيعي الأساسية تكمن في ضعفه الفني والمنهجي، ويقف وراء ذلك عنصر التمويل؛ فهو لا يجد تمويلاً لازماً مطلوباً، لا من مالكيه وأصحابه، ولا من أصحاب رؤوس الأموال الشيعة ولا من إيران ولا من أي مصدر آخر، بل لا تجد السينما والدراما والموسيقى طريقها الى تفكير قيادات الإسلاميين الشيعة العراقيين، لأنهم لم يصلوا بعد الى ضرورتها القصوى وأهمية تمويلها.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن مشكلة الإعلام الشيعي وقنواته هي المهنية؛ فلدى الشيعة العراقيين (جنرالات) كُثر في الإعلام، لا يرقى الى مستواهم جميع من عمل ويعمل في الإعلام البعثي، ولذلك؛ كما ذكرنا؛ فإن أغلبية الإعلاميين البارزين والمراسلين والممثلين والفنيين والتقنيين والإداريين في القنوات الطائفية السنية والكردية (باللغة العربية) هم من الشيعة.
وبالتالي؛ فإن الفرق جوهري بين القنوات السنية الطائفيةالعنصرية المهاجمة، القوية تمويلاً وفنياً ومنهجياً، والتي تعمل على تخريب الوطن والدولة، وتمزيق المجتمع الشيعي، وبين القنوات الشيعية الضعيفة المدافعة، التي تزايد على الوطنية والوحدة، وحسنتها أنها تعبِّر عن معتقدات شيعة العراقيين وآرائهم وتقاليدهم.