وضع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان إذاعة “صوت أميركا” في منزلة برامج غزو الفضاء من ناحية الأهمية لمصالح البلاد، وايصال الخطاب الرسمي، منتقدا الإهمال لهذه المؤسسة الإعلامية، وهو ما دفعه الى التعويض عن ذلك بتأسيس محطة “تقوية” لبثّها، العام 1984.
وفي العام 2018، يتكرّر المشهد، لكن في روسيا، حيث رئيسها بوتين، بات يهتم شخصيا بالإعلام وخطابه، مؤكدا على أهميته للأمن والصحة، فيما منافسوه يتهمونه بالسيطرة على شبكة “إن تي في” والقنوات الروسية الرئيسية.
ووجد ممثلو “الأوليجارشية” او “الروس الجدد” فرصتهم في الاعلام للسيطرة على السياسة والاقتصاد، ونجحوا عبره من
الحصول على الجاه السياسي، والاجتماعي، وجني الثروات الطائلة.
وفي روسيا الحقبة السوفيتية، كان الإعلام كحاله في كل الأنظمة الشمولية، تابعا الى الحزب الواحد، الذي سعى عبر خطاب مؤدلج الى نشره مبادئه في العالم، ونجح بشكل منقطع النظير في بسط نفوذ الأيديولوجية الشيوعية.
وانبرت الصين، بعد “حقبة إعلامية” مظلمة، الى تطوير التقنيات التي تجعل منها رائدة في الحضور الإعلامي العالمي، ونجحت بشكل واضح في تحدي وسائل الاعلام الغربية، بل والتفوق عليها في الكثير من الحالات.
وفي تركيا، أصبحت تهمة استخدام التمويل العام في قطاع الإعلام تتقاذفها قوى الحكومة والمعارضة، بعد ان صار معروفا بان من يمتلك ناصيته، يفوز.
ولكي لا نسهب كثيرا في الوقائع، نشيرا أخيرا، الى فضيحة “ووترغيت” التي كشفها الاعلام، وأدت إلى استقالة رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ريتشارد نيكسون، في أغسطس/ آب 1974.
لقد كانت الصحافة على الدوام، المرصد الذي يحسم مستقبل السياسيين والمشاهير، ما يجعلها المحور المحرّك للأحداث، والضامن لنتائجها، في اتجاه معين، حتى في الأحداث الصغيرة ما يفسّر جرأة مديرة أمن رئاسة الوزراء في العاصمة الفرنسية على الاستقالة، بعد فضيحة فساد كشفتها، احدى المقالات.
وفي عصر التواصل، أدرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خطورة وسائل الاعلام على مستقبله السياسي ليصفها
بانها “عدو الشعب” وهو تعبير كان الزعيم السوفيتي الراحل، جوزيف ستالين، قد استعمله، ونهى عنه نيكيتا خروتشوف.
و من الخطاب الشمولي الى ديمقراطية إعلامية، فان مواقف وحوادث كثيرة ترسم العلاقة المضطربة بين السياسي والإعلامي. وثمة امثلة كثيرة لا يسعف المجال لذكرها.
كل الأمثلة الواردة، تكشف عن ارتباط الاعلام التقليدي بالسياسة أولا، وفي بعض الأحيان بالسياسيين حصرا،
لكن الإعلام الجديد اليوم، حيث تتدفق المعلومات عبر وسائل اتصال حديثة، متاح، لأي فرد في المجتمع، وبات للإعلام وظيفة اجتماعية اكثر منها سياسية، كما تحول الفرد الى صحافي واعلامي، بسبب امتلاكه تقنيات النشر المباشر، نصا وصوتا وصورة.
لم يعد الاعلام يختص بطبقة السلطة وتوابعها، لأنه صار نافذة لكل الناس، ومن الصعب اليوم، حصره في رؤية واضحة ونسق واحد، وهدف مشترك، لعدم قدرة أية جهة على احتكاره، والسيطرة عليه، حتى لو ارادت ذلك.
لكن وهج الإعلام “الاجتماعي” الجديد، سوف يتألق، اذا ما ضمنت الشعوب، وعي الفرد في استخدامه، لتجاوز نقاط الضعف في موضوعية الطرح، وإيجابية الهدف، والخبرة المهنية، لكي يكسب الخطاب قناعة المتلقي، أولا قبل التأثير عليه وتوجيهه.
انّ الديناميكية المحركة الواجب توفرها في الإعلام العراقي، والعربي، هي في نقل المعلومة بأمانة ودقة، وعدم التفريط في التسييس، وتعزيز الخبرة والمهنية والالتزام الاخلاقي في مداولة المعلومة وتحليلها.
في المشهد، تزدحم اعداد الذين يعملون في قطاع الاعلام، وتتناسل الفضائيات بشكل خاص، لكنها لم تحقّق من النجاح المهني، القدر الذي يُعوّل عليه، بعد انْ اجترّت الكثير من المواضيع وحتى التقنيات، ولابد لهذا القطاع، ان يستفيد من تجارب الدول المتقدمة للخروج من حلقة الإعلام النمطي.