كنا نعده من محترفي الصحافة والإعلام ..وهو يسعى للمحافظة على رسالته ، في أن يوصل صوت الملايين الى الطبقة الحاكمة ، علها تلتفت الى حال هذا الشعب المسكين!!
كان الرجل قوي الشخصية و”ثوري الشعارات”، يظهر تعاطفه مع مطالب الملايين من الجمهور العراقي المغلوب على أمره ، وبخاصة المحتجين منهم ، ويظهر تعاطفه معهم ومع رسالتهم ، وكأنه منهم أو صوتهم الهادر الذي يحلمون!!
ما أن يظهر على شاشات القناة الفضائية التي يعمل لحسابها حتى يظهر حياديته ومهنيته وحرفيته ، ليقنع الكثيرين بأنه من يعلق عليه الآمال لأن يكون ” المنقذ من الضلال” وهو يمثل دور النخب المثقفة، وبخاصة أنه يحمل شهادة عليا في الإعلام، وقد تنقل الرجل بين فضائيات عدة، كل على قدر مايدفع صاحب القناة!!
كل من يدفع له أكثر، يتجه اليه ، ويكون صوت القناة التي يعمل لصالحها ، ويحقق لها طموحها في كسب أكبر عدد من المشاهدين ، وهي تقدر أن المبلغ الضخم الذي تدفعه له ، وإن كان باهضا، إلا إنها تعتقد أن مردوده الدعائي وحتى المالي يعود عليها لاحقا بفوائد كبرى في سوق المنافسة الدعائية التي تستعر نيرانها هذه الأيام بين كبريات الفضائيات العراقية!!
في أحد المرات ، دخل في مواجهة مع أحد قادة العساكر ، وكادت المعركة أن تنهي مستقبل الرجل، لولا عناية الله وحفظه، بأن جاء على رأس السلطة شخص آخر، فوجد فيه ضالته ، لأن يكون صوته الذي يصهل من خلف حجاب، بعد أن أيقن أن المبلغ الذي يسلمه هو أضعافا مضاعفة، ويسيل له لعاب كل حالم بمجد أو ثروة طائلة ، تلين الألسن وتسكت الأصوات ، لينتقل من مرحلة ” الثورية ” الى ” الواقعية السياسية “، بل”الصمت الدائم “، وعدم الحديث عن المطالب أو الحقوق التي ينادي بها الشعب، مقابل أن يوظف هذا الإعلامي المحترف خبراته لتوجيه الإعلام والمواقع الالكترونية وفضائيات حكومية ،وفق ما يؤمن به الحاكم الذي إختاره لتلك المهمة!!
كنت شخصيا قبل أن يختفي عن الأنظار ، قد كتبت عنه مقالا مطولا عن مهنية الرجل وحرفيته ومهارته في قيادة برامجه وحواراته التلفزيونية، وكنت محقا فيما أقول، وقد كان كذلك في قدرته على إدارة الحوارات التلفزيونية بنجاح منقطع النظير!!
قيل الكثير عن حملات شنتها ” جيوش الكترونية” كما يسمونها رجال الساسة الذين خبروا توجهات تلك الجيوش، وكان الكثير منهم يدخل في مزايدات تلك الجيوش الألكترونية وما يسمى بـ ” الذباب الألكتروني” ، وهي حرب تتطلب إنفاق مبالغ ضخمة لإنشاء مواقع وصفحات تواصل وهمية وأشكال أخرى ربما لانعرف نحن الإعلاميون أنفسنا أسرارها ، لأننا لم ندخل دهاليزها بعد ، ولأن الكثيرين يعرفون أننا من الجيل القديم الذي يرفض أن يدخل في متاهات الحرب الدعائية بين معسكرات رجال السياسة ، وفضل الكثيرون منهم الأنزواء، لكي لايقال عنهم أنهم “مرتزقة” ، وحفاظا على بقية سمعتهم التي حاول بعض المحسوبين على الإعلام تشويهها والدخول في حلبة صراعاتها ، بحثا عن وريقات خضراء تغني جوعهم وتوقهم للحصول على المال بأية طريقة، بعد أن لم يتبق أمامهم فرصة عمل في وسائل الإعلام التي إختفت منذ سنوات، وقد أغلقت ابوابها وسرحت آلاف العاملين من زملاء المهنة لديها !!
كان دخول ” البعض” من المحسوبين على مهنة الصحافة أو ممن دخلوها من أبوابها الخلفية خلسة ، تشبه محاولة دخول فتاة جميلة مثيرة للغرائز والشهوات الى ناد ليلي ، وهي ترغب بأن يكون لها موقع يؤهلها للحصول مبتغاها من المال الوفير، عندما تقدم لزبائنها ما يحتاجونه من مستلزمات الليالي الحمراء من قدرة على المراوغة والتضليل وإرغام الحضور بأن يكون لحضورها وقع مثير في نفوسهم ، يرغمهم على إرتياد نواد ليلية توفر لهم نادلات وراقصات ، وهن يرين الدفاتر الخضراء تتناثر فوقهن وحولهن ، وهن يطربن الأسماع ويسحرن مرتادي النوادي الليلية، ليقعن في شباكهن في نهاية المطاف!!
لقد إختفى الإعلامي المحترف الذي تحدثنا عنه من شاشات التلفزة ، ولم يظهر إلا مرة واحدة ، قبل عام ، جوبه على أثرها بإنتقادات كثيرة من رجالات الصحافة والأقلام التي يهمها سمعة الكلمة والحفاظ على المسؤولية الأخلاقية، لكي لايبيعها ” البعض” في المزاد العلني بثمن بخس!!
من حق الرجل أن يعمل في المكان الذي يراه مناسبا له ويحفظ كرامته، ويوفر له مبتغاه في موقع مرموق ومال وفير، لكن الكثيرين ينصحونه أن لايظهر ثانية على الفضائيات ، ليبيع لهم القيم والمثل العليا في الصحافة على شاشات التلفزة.. بعد أن إختفى عن الأنظار بحثا عن مغانمه ، وقد ترك جمهوره وهو يئن ويلطم أقداره الذي كان يأمل من النخب المثقفة أن تكون معينا له، وتخفف عنه وطأة أثقال الحياة في بلد ، تتعدد فيه الكوارث والنكبات ومصائب الدنيا تقع على رؤوس الجميع، وهو بأمس الحاجة الى رجال، يرفعون من معنوياته، ويوصلون أصوتهم الى ولاة الأمر ، لكن ألاقدار اللعينة إختطفته من بين أيديهم، وخاب ظنهم، بأن نخبا كهذه يمكن أن يعتمد عليه أحد في يوم من الأيام!!