الإعلامي الكبير إبراهيم مطلگ الفرحان، المعروف لدى كل متابعيه ومحبيه بأبو معمر، هو شخصية فريدة ونادرة استطاع أن يثبت جدارته في تقديم برنامج ذو طابع خاص يعنى بنوع معين من التراث الريفي العراقي، ويتميز بجذوره البدوية وأطوار ريف العراق، والذي يمتد بنغمته أيضًا إلى دول الخليج العربي وبعض دول الشام.
إن الثقافة البدوية والتراث الريفي العشائري أصبح اليوم ليس من أشياء الماضي، بل حاضرًا ومستقبلًا تحتاجه الأجيال، وأصبح الأساتذة والأكاديميون في الجامعات يبحثون عن مفردات هذا التراث، وأصبحنا نعيشه مع وسائل الإعلام يوميًا. وربما هناك من استطاع أن يجيد تأليف كتب كثيرة عن هذا التراث، ولكن وللإنصاف دوما وحفظًا على الحقائق في التاريخ، لابد لنا أن نذكر الإعلامي القدير إبراهيم مطلگ الفرحان، فهو أول من بدأ بإعادة روح الحياة إلى هذا التراث الأصيل، وكان ملازمًا لكل العوائل العراقية والخليجية في برامجه البدوية بكل مسمياتها منذ،عدة عقود ، بدءًا من البادية وركن البادية وغيرها إلى يومنا هذا، وبرنامجه المعروف مضائف أهلنا.
لقد حاول جاهداً الإعلامي أبو معمر تسليط الضوء دوماً على العادات والتقاليد العربية الأصيلة، وقد استضاف العديد من الشخصيات الاجتماعية التي لها باع كبير في المجتمع القبلي، وخاصة شيوخ العشائر والشخصيات المؤثرة في المجتمع البدوي، وكذلك الشعراء ومطربي الريف والعازفين على أدوات العزف التراثية المعروفة مثل الربابة وغيرها. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على المحافظة من الناحية الثقافية على هذا التراث وتعزيز الروابط الاجتماعية بين أبناء الريف والبادية. ان الإعلامي إبراهيم مطلگ الفرحان يمتلك موهبة كبيرة يستطيع من خلالها أن يعيد المشاهد إلى الماضي بتراثه الجميل وكيفية العيش في تلك القرى والأرياف في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، وكيف كان أبناء القرى والأرياف والبادية يواجهون الكثير من الأحداث التي تدور حولهم، والتي كانت لها طعم مرارة لأنها تمر عليهم بظروف صعبة يرافقها الفقر والجهل، ولذلك تجدهم كانوا يعبرون عنها بأبيات من العتابة أو الزهيري أو غيرها من الأشعار الريفية.
وهنا لابد لنا أن نشير إلى أن الاستاذ أبو معمر، إضافة إلى كونه إعلاميًا مميزًا، يقدم برنامجه بنجاح وكفاءة عالية. إلى أنه يمتلك إيضاً قناة على يوتيوب تحمل اسم “ياهلا مع أبو معمر”، حيث يشارك من خلالها محتوى متنوعًا يتعلق بالثقافة البدوية والمجتمع العشائري، ويستضيف من خلالها شعراء البادية والريف، إضافة إلى مطربي البادية الذين يعود الفضل في شهرتهم إلى هذا الإعلامي الناجح وبرامجه الريفية التي تميزت بطابع البداوة العراقية.
إن الإعلامي إبراهيم مطلگ الفرحان يتميز بأسلوب خاص، وخاصة إذا ما عرفنا أنه يقدم برنامجه على الهواء مباشرة في أغلب الأحيان، فتجده دوماً قريبًا من الناس ويحظى بجمهور واسع جدًا، خصوصًا في الأوساط العشائرية الريفية والمجتمعات البدوية في العراق، لكونه يمتلك إلمام كبير بعادات وتقاليد تلك القبائل، وتجده يحرص دوماً على النقاش في مواضيع قضايا المجتمع الريفي والبدوي بطريقته الواقعية السلسة، والتي استطاع من خلالها أن يدخل إلى قلوب كل أبناء المجتمعات الريفية.
إن اختياره أحيانًا لتصوير برنامجه مع ضيوفه في أحد المضائف المعروفة لشيوخ العشائر، قد أضاف طابعًا للواقعية والأصالة على كل الحلقات التي استطاع تقديمها من خلال تقديم ضيوفه ومواهبهم إلى الناس، وتجده دوماً يمتلك تلك الروح الوطنية وهو يشد العزم في مواضيعه إلى الكرم العربي وحل النزاعات العشائرية، وكذلك يشرح دوماً دور الشيخ ويركز هنا على شيوخ العشائر أصحاب الحظ والبخت، ولا ينسى أي مفصلة من مفاصل الحياة، فهو يعطي لكل حق حقه، فتجده هنا يشيد بالفلاح العراقي وفي مفصل إعلامي آخر يشيد بدور المرأة في البادية وللامانة التاريخية فانه يجيد لغة الشعر النبطي والعتابة والابوذية وكل مفردات التراث الريفي.
إن ما يلفت النظر إلى أن هذا الإعلامي الكبير هو ادارته لأغلب حواراته بعفوية تامة، وتجد روح العاطفة مع الضيوف وتشجيعهم أثناء إلقائهم قصائدهم الشعرية، وكذلك المشاركين معهم من المطربين وهم يعزفون على آلاتهم الموسيقية، فتجد الروح العالية والمعنويات الموجودة لدى أبو معمر أحد أساس نجاح هذه البرامج.
لقد اصبحت البرامج الريفية اليوم، وخاصة تلك التي تتحدث أو تتخللها صوت الربابة الحزين، والذي يعود بنا إلى الحنين والغربة وأحيانًا إلى المدح والتفاخر القبلي، وفي بعض الأحيان إلى حكاية بيت عتابة يوضح فيه قصصًا بطولية أو غرامية، وهذا كله قد ساهم في ربط الجيل الجديد الحالي بجذوره الثقافية من الماضي.
إن برامج الأستاذ إبراهيم مطلگ الفرحان تعتبر من البرامج التوثيقية ايضاً وخاصة عندما يتطرق إلى الألوان الريفية القديمة، وكذلك يعتبر برنامجًا تنمويًا وتشجيعيًا لأنه استطاع أن يمنح المواهب المحلية مساحة إعلامية للظهور والتعبير عن ما في داخلهم وعن العادات والتقاليد في واقعهم، ومن خلال برامجه استطاع أغلب المتابعين من أبناء المدينة والريف أن يفهموا جيدًا التراث الريفي الأصيل الذي كان بالأمس القريب مدفونًا في مناطق ريفية معينة وبعيدًا عن وسائل الإعلام.
ويبقى أبو معمر ينيرنا دوماً بكل ما هو جديد بفكره وإبداعه المتميز، فهو كما عودنا على عصر المفاجآت يفاجئنا بين الحين والآخر ببرنامج تلفزيوني يضم في مفرداته أشياء جميلة كثيرة.