يعد كتاب (الإعــلام والمنظومة الأمنيـة..رؤية تحليلية في الإعلام الأمني التخصصي) الذي أعده الباحثان المتخصصان المبدعان في شؤون الإعلام ، ومن لديهما خبرات متراكمة في الإعلام الأمني ، وهما الدكتور أكرم الربيعي واللواء الدكتور سعد معن ، مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية والناطق بإسم قيادة عمليات بغداد منذ سنوات، من أفضل الكتب التي صدرت حديثا، وراحت تغزو دور النشر العربية ومراكز بحوثها، كون البحث شكل إضافة نوعية متقدمة حفلت بها المكتبة العراقية والعربية ، ومن يسعون الى ولوج مناهج الإعلام الأمني ، حيث إفتقرت مؤلفات أساتذة الاعلام وطلبة الدراسات العليا في الاعلام لهكذا موضوعات منذ فترة طويلة ، وربما يعد هذا العلم (الإعلام الأمني) موضوعا حديث العهد، وكانت هناك خشية لدى كثيرين من تناول هكذا موضوعات بهذه التسمية، حتى لايقال ان هناك جهات أمنية دفعتهم لكتابة موضوع خطير من هذا النوع، ومن يحتسب على أجهزة الامن قبل سنوات، يواجه نظرة تبدو وكأنها (متوجسة) وليست مريحة أو لنقل ليست إيجابية، ويبقى عملها في إطار من السرية، بحجة الحفاظ على الطابع الأمني للعمل الاعلامي الأمني!!
الكتاب موضوع الصلة (الإعــلام والمنظومة الأمنيـة..رؤية تحليلية في الإعلام الأمني التخصصي ) جديد في الموضوعات التي تناولها، وكان اختيارهما لعنوان الكتاب ولفصول البحث الثلاثة موفقين ، وربما عانى الباحثان من ندرة المصادر التي تناولت موضوعات بحثهما، وما كتب في هذا المجال على قلته ، كان ربما في مصر أولا ، وليس في العراق وقبل سنوات طوال، إذ يجد أي باحث صعوبة بالغة في تناول موضوع يخص (الاعلام الأمني) كونه كما ذكرت يثير مخاوف وهواجس ، ويحاول من يقترب منه وكأنه يبحر في بحر مترامي الأطراف، يرهب من يحاول ان يركب سفنه، لكن الباحثين الكفوئين أصرا على دخول ميادينه، وما يشفع لهما انهما كانا قريبين من هذا الإختصاص ، أو لديهما خبرات ذاتية ، من خلال تكليفات خاصة ضمن محاضرات في دورات سابقة، لكنها لم ترتق الى اعداد بحث أكاديمي اعلامي يتناول موضوعة (الاعلام والأمن) والعلاقة بينهما، وقد ابدعا في عرضهم لموضوعات الكتاب، حتى عده باحثون فتحا جرئيا وضع أولى لبنات لتأسيس ثقافة (الإعلام الأمني) موضع التنظير والبحث المتخصص، وقد نجحا في تلك المهمة، ووفقا في هذا العمل ، حتى غزا مؤلفها المكتبة العربية في منطقة الخليج ولبنان ومصر والمغرب العربي وراحت كثير من دور النشر العربية ، تعرض هذا الكتاب وتدخله كليات ومراكز إعلامية ضمن اهتماماتها!!
وقد حاول الباحثان الاجابة على مجمل أسئلة وضعوها ، لفصول البحث وتوزعت محاور الأسئلة كالتالي:
** علاقة الأمن بالإعلام
** دور الإعلام في بناء منظومة الأمن الاجتماعي
** الأمن الإعلامي وعلاقته بالأمن الاجتماعي
**الأمن الاعلامي النفسي وأهمية التوعية من الإنحراف الفكري
** كيفية التصدي لظاهرة الإرهاب والمخدرات والانحراف المجتمعي من خلال وسائل الاعلام
وقد تضمن الكتاب ثلاثة فصول سلط فيها الباحثان الضوء فيها على أهمية الإعلام الأمني والأساليب التي ينتهجها المسؤولون عن الإعلام الأمني في العراق،وتشخيص مدى كفاءته وإمكانية تطويره بما يحقق منظومة أمنية سليمة تحمي المواطن.
ومن وجهة خبراء الإعلام يعد الأمن والإعلام بعدين لمحورين أساسيين يلتقيان على هدف واحد إلا وهو مصلحة المواطن رغم اختلافهما في وجهات نظرهما، فالإعلام يركز على حق الشعب في الإطلاع والمعرفة ، ورجل الأمن يركز على حفظ الامن والسلم الاجتماعي وسلامة المواطن، وكيفية خوض ميادين عمليات الاتصال والحرب النفسية والاهتمام بموضوعة الراي العام ،والبحث عن سبل لتوطيد أواصر العلاقة بين الأمن والصحفيين وعموم الإعلاميين.
وفي الفصل الثاني من الكتاب تناول الباحثان المنظومة الأمنية وتحديد ماهية ثقافة المجتمع وكيفية تشجيعه على حب النظام والانضباط والالتزام بثقافة القانون والحفاظ على المال العام لتحقيق الأمن العام ..وتناول مظاهر الانحراف السلوكي في قطاعات الشباب ، بعد أن بات العراق الان يعاني منها مشكلة تفشي المخدرات بين صفوف بعض الشباب.وأهمية وضع اطر علمية وعملية ميسرة لمكافحة هذه المشكلة الكبيرة التي باتت تهدد السلم المجتمعي بأضرار بالغة ، والاان تعد قضية الامن الالكتروني مادة جديدة تهدد الامن المجتمعي بعد ان تم تحريف مضامينها عبر وسائل الاتصال الحالية كالانترنيت التي غزت الساحة، وراحت تشكل مصدر تهديد تتطلب خبرات واسعة في كبح جماح من يخوضون غمار ولوج ميادين الجريمة ، بكل أنواعها ، عبر تلك الوسائل الالكترونية ، وهم بهذه الممارسات أصبحوا فعليا يهددون الأمن المجتمعي في عقر داره .
وتناول الفصل الثالث من الكتاب واقع الخطاب الإعلامي الأمني في العراق ، وقام المؤلفان بإجراء مسح ميداني على عينة البحث ،المكونة من مئة فرد ، احتوت على 21 سؤالاً توزعت بين المعلومات الديموغرافية والخطاب الإعلامي الأمني وأساليبه وطرقه ، وأسفرت احدى نتائجه عن أن الخطاب الأمني الإعلامي أسهم الى حد ما في تحسين العلاقة بين الجمهور والأجهزة الأمنية، بالرغم من ان النتيجة الأخرى التي ظهرت ضمن عينة البحث تشير الى أن 80 % من عينة البحث كانوا يؤكدون على وجود قصور في الدور الذي يقوم به الإعلام الأمني والمؤسسات الاعلامية ذات الطابع الأمني في تعزيز الأمن.
ونود أن نؤكد مجددا ، كخبراء إعلام لفترة تجاوزت الـ (45) عاما ، بأن هذا الكتاب (الإعــلام والمنظومة الأمنيـة..رؤية تحليلية في الإعلام الأمني التخصصي) يعد فعلا باكورة المؤلفات الاعلامية التي موضوع الاعلام الأمني في العراق، والكتاب يعد مرجعا مهما للباحثين وطلبة الدرسات العليا في دراساتهم المستقبلية التي ينبغي إيلاؤها الأهمية والاهتمام الأكبر والخوض في تفاصيل أخرى ، تحاول تحديث معلومات هذا الكتاب ، بما يرفد المكتبة العراقية بعامة والجهات الأمنية التي لديها صلة بالعمل الاعلامي بخاصة، ليكون لديها أطار نظري يسهل على منتسبيها وكوادرها ولوج هذا الميدان الحيوي والستراتيجي من علوم الاعلام والاتصال والعمل الأمني!!
تحياتنا للباحثين المبدعين الدكتور أكرم الربيعي واللواء الدكتور سعد معن..وللجهد العلمي والاعلامي القيم الذي قدموه..وأمنياتنا لهما بالتوفيق ، والى مزيد من النجاحات في خدمة مهمة الاعلام الأمني ووضع لبناتها التنظيرية والفكرية والبحثية في خدمة الاعلام الأمني المتخصص، وعلى الاعلاميين من ذوي الكفاءات واصحاب الخبرة المتراكمة تقديم ما لديهم من تجارب لمن يحتاجها في هذا المجال، خدمة للصالح العام..والله ولي التوفيق!!