من الملاحظات التي تستدعي الدراسة والتحليل والنظر , أن أنظمة الحكم في مجتمعاتنا لا تعتبر من الأحداث وتعيدها بتكرارية مملة , فمن الواضح أن المشروع النهضوي العربي قد أخفق لمرات عدة , وتم الإنقضاض على رواده في أكثر من مرحلة , وصارت الثورات العربية والتطلعات الوحدوية والعروبية حبرا على ورق , وزوابع في فناجين الأجيال المنكوبة بحكّامها.
فكيف يمكن تفسير هذا السلوك المتكرر؟
إذا إفترضنا أن أنظمة الحكم حرّة وذات إرادة وسيادة , فأن الذي جرى لا يمكنه أن يتحقق بسهولة , وأن لا بد من الدراسة والتحليل ورسم خارطة تقرير المصير الوطني , لكن خواتم الأنظمة التي حكمت في دولنا تشير إلى غير ذلك.
إذ لا يُعقل أن تتكرر الحالة المأساوية لأنظمة الحكم وعلى مراحل متباينة المدة , لكنها تنتهي إلى ذات المآل , حتى جعلت الأجيال تعيش في ذهول وإضطراب.
فالعديد من رؤوس أنظمة الحكم في دولنا تنتهي إلى ذات المصير وإن تباينت آليات الوصول إليه.
فانظروا ما حصل في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين , في العراق وليبيا واليمن وتونس ومصر والأحداث الآتية لا تزال على القائمة , فأما الحاكم ينتهي إلى مصير أسود , أو يبقى وينتهي الشعب , أو يتم محقهما معا.
التفسير الأكثر إقناعا أنها ذات منشأ واحد , بمعنى أن الذي يدير الحكم في دولنا ليس الحكام الظاهرين في وسائل الإعلام , وإنما قِوى خفية تقدم لهم أجندات عمل يومية ويموجبها يتصرفون ويحكومون , وعندما تنتهي مهماتهم ينالون عقابهم , بمسرحيات ذات إخراج متقن وبمهارات خبيرة ومتمرسة.
والمشكلة أن الحكام ربما يتمتعون بسذاجة , ويتوهمون بأن الذين نصبوهم سيحمونهم , ولهذا يتقاطعون مع الشعب وينتمون إلى أسيادهم , فهم في حقيقتهم كالعبيد المُسيّدة على مجتمعات يتأكد ترويضها وتأهيلها للتبعية والخنوع , وترتيعها في حضائر الأنظمة الحاكمة إلى أن يحين جزرها , وتأليب القطيع ضدها , ثم يُؤتى بكبش فريد لينطلق بها إلى ربوع ويلات جديدة , فيتم جزره أمامها وبوضح النهار , وهكذا دواليك.
وفي هذه اللعبة الإفتراسية يتحقق تغييب صوت المواطنين ومصادرة إرادتهم وحقوقهم , وقهرهم بالحرمان من الحاجات الأساسية للعيش الكريم.
وهكذا فأنهم لا يعتبرون لأنهم رهائن , ويكررون لأنهم بلا خيار وقد وقعوا في مصيدة الفناء الرجيم!!
فهل من روح وطنية ذات إقدام عظيم؟!!