الإصلاح لغويا؛ يعني التقويم والتحسين والتغيير نحو الأحسن، وإصلاح ذات البين تعني مصالحة المتخاصمين، وهو بالضد من الإفساد، ومنه الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي، وغيرها من الإصلاحات.في أثناء أزمة الإصلاح الأخيرة في البلد، سئمتُ من سذاجة الناس وبساطتهم، وحماستهم للإصلاح المرتقب، وكأنهم سيولون يوسف الصديق على أمورهم العامة، وفي أثناء تواجدي مع أحد مصلحي السيارات قلت له:كيف تصلح السيارات؟ فقال: حالي كحال كل المصلحين، من أطباء ومهندسين وغيرهم، نشخص الجزء العاطل، ونبدأ بتصليحه، وإن تعذر علينا لكثرة فساده، نستبدله بالأفضل.ذهلت لدقة إجابته، فقد كانت تجول في خاطري، لكني لم التقطها، ربما لكثرة التشويش السياسي وهيجان الجماهير، والافتقاد الى الهدوء اللازم لتشخيص الحالة.المعتصمون المصلحون، أعلنوا الإصلاح في ليلة وضحاها، وكما فعل العبادي قبلهم، عندما أعلن قصة وزارة “التكنوقراط”، وتبديل كل كابينته الوزارية، من دون سابق إنذار، ومن دون البوح بقضية فساد واحدة، فطالما سمعناه يترنم بكابينته الوزارية المنسجمة، وكمال وزراءه، فما الذي حصل؟ وما الذي استجد؟ دخول السيد مقتدى على طريق الإصلاح، واعتراض شديد اللهجة من قبل المالكي على التكنوقراط، واستفسار عن سبب التغيير من قبل الحكيم والتحالف الكردستاني، وتباين الأمر بين تحالف القوى بين مؤيد ومعارض، ورُمي الظرف المغلق أو كرة النار بين أحضان سليم الجبوري، الذي أخذ يتلاعب بها، غير آبه بما ستفعله به في قادم الأيام.جبهة الإصلاح اتضحت وبانت معالمها، وتكونت من بعض النواب الفرادى ونواب التيار الصدري وسنة المالكي وشيعته، ونواب بدر قبل أن ينسحبوا بهدوء بتأثير لا يخفى على أحد، ومع ذلك تعاطفت معهم الجماهير، وصدقهم بعض العقلاء لتعطشهم للإصلاح، بالرغم من أن سوء الأوضاع الحالية للبلد هي بسب هؤلاء المعتصمين،الذين حكموا المرحلة السابقة، وليس بسبب الجبوري أو معصوم.المعتصمون المصلحون الوطنيون، أصحاب “البلدوزر” الجارف، والإعصار الهارف، ثاروا على الطائفية والمحاصصة والكتل والأحزاب والقادة المتحكمين، وهم أضحوا كالجمل الذي يستعيب ظهور الناس، فينسى ما وضع الخالق على ظهره، ولازالوا على أمرهم هذا، حتى أطاحوا بالبرلمان ورئاسته، وحلموا أن يطيحوا بكل شيء، وفجأة عم الهدوء وسكن كل شئ، وكأنها أضغاث أحلام، جاءت بعد يوم متعب.اختلقت الأهداف، وتباينت الرؤى، وتغيرت النوايا، وكما بدأ مسرعاً؛ انتهى الاعتصام بخروج التيار الصدري، فنكصت الجماهير وتذمرت، وصُعق بعض العقلاء، أصحاب القلوب النظيفة، وتكدر صفو القادة والكتل والأحزاب المنتفضة، على التكتل والتحزب والانقياد..!!فجأة تبعثر المصلحون، ولم يتعلموا الدرس، وليتهم تعلموا تحت أيدي أحد المصلحين “الفيترجية” في كسرة وعطش، بدلا من قبة البرلمان، لأن الإصلاح يبدأ من النفس لا من اللآخر، من الداخل وليس من الخارج، يبدأ بالتشخيص والإشادة بالوزير الصالح، والإطاحة بالوزير الفاسد، وليس بطريقة حرق الأخضر مع اليابس، أو طريقة “الشلع قلع”.