3 نوفمبر، 2024 12:27 ص
Search
Close this search box.

الإصلاح السياسي والعفو عن المجرمين (القتلة والسراق والإرهابيين) أنموذجا

الإصلاح السياسي والعفو عن المجرمين (القتلة والسراق والإرهابيين) أنموذجا

من المفترض أن تكون الدولة هي المثال الأعلى للأخلاق, لأن ما هو مناط بها هو تنشئة المجتمع تنشئة, إما أن تكون وطنية أو دينية, أو أخلاقية انسانية عامة, أو قانونية؛ كل دولة بحسب منهجها وآديولوجياتها القيمية التي تؤمن بها.

عندما أَقرَّت القوانين السماوية والوضعية مبدأ العقوبة, كان ذلك من أجل خلق نوع من حالة الإنضباط العام في المجتمع, وإيجاد حوافز سلبية من أجل تنظيم حياة الناس؛ لذا كانت العقوبة من محاسن الأمور في تربية المجتمعات, وفرض الإستقرار, وإقرار أهم مبدأ فيها, ألا وهو مبدأ العدالة, مع أن مفهوم العقوبة هو بحد ذاته, مفهوم ينحو نحو السلب لا الإيجاب, لأنه قائم على مبدأ الفرض والإلزام.

مشكلة إقرار قانون العفو العام في العراق, وما فيه من تجاذبات وصلت لحد الخصومات, يقف في أساسه على أسس مرتبكة, ضبابية, غير واضحة المعالم, يحاول المطالبون به لَيّ النصوص, لجعل هذا القانون مقتصرا على مسايرة ضوابط العدالة القانونية! ضاربين عرض الجدار مبادئ العدالة والإنصاف الدينية والمجتمعية, والتي يمثلها في أغلب الحالات, أبناء الشعب المجني عليهم, ممن وقع عليهم الظلم والجور.

من هم المعنيون بقانون العفو؟ من هم المشمولون به؟ إذا أردنا أن ننظر للموضوع من ناحية قانونية, نرى أن العفو يقسم في القوانين الجزائية الى نوعان: عفو عام , وعفو خاص؛ ونحن نتحدث هنا عن العام دون الخاص, فالعفو العام هو يصدر بقانون عن مجلس النواب, ويكون موضوعه أفعال إجرامية معينة, بغض النظر عن الشخص أو الأشخاص المرتكبين لهذه الأفعال, فمهمة العفو العام هنا كما يرى القانونيين, هو إزالة الركن القانوني للفعل الإجرامي, وبالتالي يستفيد منه مرتكبيه!

قد نتفق على فكرة أن القانون, هو العقد الاعتباري المبرم بين الدولة من خلال تمثيلها الاعتباري: (السلطة), وبين الشعب الذي يمثل أفراده أصغر وحدات سياسية, لذا فإن للقانون قدسية اعتبارية وقيمية, جعله يبوء بمكانة عالية اتفق عليها أبناء المجتمع؛ ولكن .. مع ما للقانون من قدسية وضعية واعتبارية اتفاقية, إلا أن ما يتفوق عليه في جانب القدسية والاحترام, هو الجانب الأخلاقي والقيمي؛ صحيح أن القوانين لها جنبة إلزامية, وأهميتها كبيرة في تسيير حياة المجتمع, إلا أن تداخل العمل القانوني, مع القيم الأخلاقية والإختلاف فيما بينهما, يجعل الأولوية هنا للجانب الأخلاقي الإنساني.

كيف نستطيع تفسير قانون العفو العام, والذي تستقتل على إقراره بعض الفصائل السياسية في العراق؟ كيف نستطيع تفسيره وهضمه بأجهزة الهضم القيمية والأخلاقية والإنسانية, وهو يحاول أن يزيل ركن (العدالة والإنصاف), بالإفراج عن مجرمين تنوعت جرائمهم وموبقاتهم؟!

قد يقول لي البعض, أنهم يريدون إقرار قانون العفو, من أجل المتهمين ظلما وبهتاناً, نتيجة الأخبار الكاذبة عن المخبر السري!, وأنا أقول لهم, إن هذا الأمر لا يمكن أن يطلق عليه عفو بحسب التعريف القانوني, لأن العفو يصدر على أفعال وأعمال معينة تمثل جنحة أو جريمة, تمت محاكمة أصحابها وإصدار أحكام قضائية بحقهم! أما أن يصدر مثل هذا القرار, من أجل الإفراج عن كل المجرمين : سراق البلد والمرتشين, والقتلة؛ ويستثنى منهم فقط الملطخة أيديهم بدماء الناس!! أي أن المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية والمساعدين والممولين والساندين والمؤيدين واللوجستيين, كل هؤلاء سوف يتم الإفراج عنهم, من أجل تبريرات واهية مصطبغة بخطابات المصالحة الوطنية السياسية, ومؤيدة بإمكانيتها القانونية!!

تبا للقانون, وتبا للمصالحة الوطنية, التي لا تأخذ بالاعتبار آلام ومصاب المظلومين والمجني عليهم, وتساوي بين المجرم والضحية!

*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.

أحدث المقالات