22 نوفمبر، 2024 11:44 م
Search
Close this search box.

الإصلاح الزراعي

في ظل الأزمة المالية، ودعوات الإصلاح، ترجع بنا الذاكرة الى فكرة الإصلاح الزراعي الذي تبناه النظام الجمهوري عقب الإطاحة بالملكية، وإصدار القانون رقم 30 لسنة 1958، وما أعقبه من تعديلات، على مر التقلبات التي شهدها النظام السياسي العراقي، والتي كانت في محصلتها النهائية تراجع الزراعة في العراق الى أدنى مستوى، والإعتماد على المستورد في ” خضراواتنا”، و” فاكهتنا”، في مرحلة متأخرة، بعد أن سبقت ذلك، تراجع غلة الحبوب التي إشتهر العراق بإنتاجها، ومن المفارقات أنك اليوم تجد في السوق كل أنواع المنتجات الزراعية المستوردة، فيما يتعذر عليك الحصول على منتج عراقي واحد، وإذا عثرت عليه فإنه سيكون أغلى بكثير من مثيله المستورد، وإذا أردت مساومة البقال على السعر، ردك بلهجته العراقية :” يابه هو وينه العراقي، هو أكو أطيب منه”، وهذا التساؤل هو الذي نريد أن نطرحه : “وين الزراعة العراقية”، بل “وين الإصلاح الزراعي”.كان الغرض من إصدار قانون الإصلاح الزراعي هو إنصاف الفلاح من ظلم الإقطاع الذي كان سائداً في العهد الملكي، ومعالجة سوء توزيع الثروة في الريف ممثلة بالأرض الزراعية التي تعد من عناصر الإنتاج الرئيسة ومصدر المعيشة والرزق ، ومعالجة بقاء التوترات الاجتماعية والسياسية بسبب الفروقات الطبقية وانتشار الفقر والتخلف، لكن رافق تطبيق القانون وتعديلاته أخطاء كثيرة، إنعكست على إنتاج الارض الزراعية، وبالتالي أصبحت المقارنة بين الإقطاع، كنظام زراعي، والإصلاح الزراعي كنظام بديل، تطرح من خلال نجاح الأول في توفير الغلة الزراعية، ووجود فائض للتصدير، فيما فشل الثاني في تطوير العملية الزراعية والوصول بها الى مرحلة الإكتفاء والتصدير الذي يحقق مورداً أساسياً من موارد الموازنة العامة.لم نجن من قانون الإصلاح، سوى الحديث عن المنجز الوطني الذي أنهى الإقطاع بشكله القديم، من دون الحديث عن الإقطاعات التي تشكلت على خلفية ” الإصلاح”، والتي لم تحقق أية نهضة زراعية، بل العكس، أصبح العراق مستهلكاً لما ينتجه الخارج، ولعل الفلاح نفسه بات لايأكل من أرضه، نتيجة إرتفاع كلف الإنتاج، ولاسيما مع غياب دعم الدولة للقطاع الزراعي، في ظل إعتمادها على النفط في بناء الإقتصاد الوطني، في حين إقتصر البرنامج الزراعي على عدد من الأغاني التي لم تزل حاضرة في أذهاننا، من “يا أرضنا يا ارضنا … إحنا لها وهي لنا … يلله إحرثوها وازرعوا”، و” يا عشك الكاع….عااااااااهاااااااااا … عزيزة الكاع….عااااااااااهااااااااا … يا عشك الكاع حب يسري بشرايين … عزيزة الكاع و الماي اللي يروي … سنابل و الزرع الأخضر بيادر خير…ومخضر “، و ” أخذني الشوق بجناحه * وإجيت بروح مرتاحه … لكيت الريف بستاني * معاني الفرح ألواني”، وأخيراُ ” أنا ثورة وابن ثورة … أنا الإصلاح”.الواقع الزراعي يتقهقر، والفلاح يترك أرضه، والمستورد يفرض نفسه على السوق، والبساتين تتعرض الى الجرف، وتغيير تصنييف الأراضي الزراعية الى سكنية، أو مستودعات ومخازن وأسواق وورش، وماكان يراهن عليه ليكون سلة غذاء للعالم، أصبح عالة عليه.لسنا ضد الإصلاح، ولانريد أن نثبط معنويات الأصوات المطالبة بالإصلاح، لكن الإصلاح يحتاج الى برامج حقيقية ونيات صادقة، والإصلاح الزراعي أوضح مثال.الفرصة تبدو أكثر الحاحاً اليوم للخروج من عنق الإقتصاد الريعي، الى إقتصاد متنوع، لايخضع لإهتزازات السوق العالمية وأزماته التي تضربنا اليوم في الصميم. 

أحدث المقالات