بعض الكلمات تعطي الضد من معناها، إذا ما عكست غاية مطلقها، وهنا تصبح مجرد تلاعب لفظي لكي تكون الإجراءات المتخذة في مدارها أكثر مقبولية من قبل من تتوجه لهم.
ومن هذه المفاهيم الإصلاح حينما يطلق من الخارج، أي خارج الهوية المكانية للمراد معالجة خلله، وكذلك حينما يكون خارج السياق الزمني له وإن كان يقع ضمن الدائرة المكانية للهوية، لكون عنصر الزمن يفرض أُطر متبدلة يتعذر معها التماثل المفضي لنتيجة مشابهة لمن أُريد به المحاكاة.
وفي مقالنا السابق (الإصلاح وليد بيئته) توافر لدينا عنصريّ الهوية والزمن في شخوص المطالبين بالإصلاح وانعدم كليهما في وسائل المفاهيم التي أطلقوها ، لكن في هذا المقال تكاد تكون العملية معكوسة أي قد يتوافران في المفهوم لكن ينعدمان بالتأكيد في الجهة التي أصدرته.
ما أدركته وإن كان قاصرًا، لعمليات الإصلاح التي قامت وستقوم بها الأنظمة العربية، أن أغلبها جرى بضغط الخارج وهنا نرى تحول دلالاته بتبدل المناخات التي تم فيها ،إذا يجري هذا النمط في ظل المفروض المتأزم وفق تركيبات آمرة، مما يجعله شكليًا يلبي سطوة الخارج (الدول العظمى) ، فيكون له ارتدادات عكسية وإن كان مما يتوافر فيه عنصريّ الهوية والزمن، كما هو الحال بالمطالبة المستمرة للتحول الديمقراطي، فهنا وإن كان هذا الإجراء من صميم حاجة المجتمعات التي توجه لها، لكنه مادام خارجيًا كما أسلفنا يكون مشروطًا وإن لم تكن هذه الجزئية واضحة للجميع، ففي إطار العلاقات الدولية تكون المصلحة، هي الحقيقة المتفق في وجودها ضمن هذه البيئة، والعامل المحرك بعيدًا عن أي مبدأ، فالمبادئ هنا مجرد تصريحات مُزوقة أو جزء من الإتيكيت في الدبلوماسية الدولية،
ومسألة حقوق الإنسان ومصير الشعوب والخ…..، أمست أوراق إعلامية للضغط المتبادل ولاتقصد بذاتها، وهنا بالكاد تصبح مصلحة الجهة التي فرضت الإصلاح قيد يجعل الأخير كما ذكرنا في البداية بعيد عن معناه، مما يولد احباطًا كبيرًا في نفسية المجتمع لإنه يكون قد بنى عليه آمالًا، لكنه في الواقع لم يكن سوى تأزيم للخلل،مهما أكتسب مشروعية الحاجة، كما نجده يعطي نتائج عكسية تنسجم مع حقيقة الغايات التي فرض من أجلها، أي تناغمه مع مصلحة هذه الدول، و نجد لذلك تطبيق في كثير من الدول العربية، بما يتعلق مع تعاطيها مع السجناء وحرية الرأي، حيث تتماشى مع مزاجيات الدول الكبرى، فمتى ما ارخت الأخيرة الحبل تمادت فطغت ومتى ما شدته لانت،
ولعل أخطر ما يؤديه هذا النوع من الإصلاح والذي يضاعف من اضطراب الخلل بإنه:
1_ شبه دائم، حيث يكاد يكون الإجراء الأكثر تنفيذًا من قبل الأنظمة، لارتباطه بالحفاظ على رضا الدول الكبرى، والذي بدوره يضمن لها البقاء لأكثر وقت ممكن.
2_تخدير وخداع، إذا يمارس هذا النوع من الإصلاح عملية تسكين كبرى لشعور المواطنين اتجاه الأوضاع التي يعانوها، نتيجة إستجابته الشكلية لحاجاتهم، من ثم كشف الخدعة لكن بعد فوات الآوان، أي بعد استشعارهم بقاء التأثيرات ذاتها كما هي رغم التغيير، لكون المتغير الوحيد في هكذا حالات هي الإستراتيجية المتبعة من قبل هذه الدول من أجل التماشي مع الواقع المتغير الذي فرضه الخلل، مع الحفاظ على مصلحتها وهي الجوهر الذي لايمكن التسامح به إطلاقًا، ولذلك سميناه شكليا، لإنه مس الإطار دون المضمون الذي هو بالكاد مصدر من مصادر الخلل.
3_الاحباط النفسي، ولعل من أخطر الآثار الناجمة عن هكذا نوعية، هو عملية التصدع والتآكل النفسي للجماهير، وشعورهم باستحالة إجراء أي تغيير في واقعهم، مما يدفعهم للاستكانة والتأقلم.
لذلك لابد من إن يكون الإصلاح داخليًا ضمن الحدود المكانية للهوية ووفق السياقات الزمنية لكي يكون أكثر تأقلمًا مع السلوكيات ومستوى التلقي في التوقيتات الحاضرة، كما إنه أي (الإصلاح الداخلي) سيكون غير مقيد بشرط المصلحة الجاهض لمعناه.