23 ديسمبر، 2024 7:00 ص

بعض قوانين الفيزياء معقدة، وتدخل ضمنها معادلات، عميقة المفاهيم، وفيها توازنات خارجية وداخلية تحتاج لما يطلق عليه “اشتقاق القوانين”وهو يعني، ارجاع القانون الى منبعه والقاعدة المستند عليها.. حتى نخرج بقانون يحل مسألة أو مشكلة ما.
تجاذب وسقوط حر ، قوة جذب الأرض، جسم معلق داخل مصعد، البندول ، تمدد الطول، النظرية النسبية.. مصطلحات فيزيائية تشبه كثيرا مصطلحات اجتماعية وسياسية، و كل قانون وحالة واشكال، يجب ان ندخله مرحلة “التفكيك” أو الاشتقاق لنعرف جذوره التي استند عليها حتى وصل إلينا بهذه الهيئة.
كشعب نعيش بشكل، يعكس بوضوح؛ أن لكل خطوة دلالات متجذرة، فمنذ 100عام ، نرى أن الشخصية العراقية، يلهمها منظر السلاح والزي العسكري، فضلا عن الزي العشائري المصحوب بالذخيرة على جانبيه.
عادة تلاقفها شباب الجيل الصاعد، فصار يرى في السيگارة والمسدس، رجولة وهيبة ، مهما بلغ به التمدن، فالقاعدة تقول أن من شب على شيء شاب عليه.. فترسم له تلك الملامح، التعصب والسلاح والتعنت .. القوة افعال، يغلب لغة العقل، بل لغة العقل صارت تعد ضعفا وجبنا، والهدوء يفهم على أنه خضوع ، وأحياناً كثيرة يستهزء بالهادئين والعقلانيين.
منذ أيام الدولة العثمانية حتى الاحتلال البريطاني، ثم حكم الملوك الذي انتهى بحكم العسكر، ينظر الى السلاح والصراخ والسيگارة على أنها مظاهر عزة وقوة، خصوصاً لو كانت موجهة ضد الدولة، التي تعتبر دوما هي القوة المضادة، فمن يتناطح مع قوى الدولة تكثر شعبيته، وتزداد رغبة الشباب في تقليد هذا “البطل” حتى تولى حزب البعث السلطة، فعمل على ترسيخ هذه الفكرة والنظرة المجتمعية، في مناطق وسط وجنوب العراق خصوصاً، عندما استخدم الطاغية لغة القمع والقتل والتشريد .. فاصبح التمرد مفخرة يتناقلها الاجيال، فزرعت فيهم تلك الصورة، بالزي العسكري والسلاح والهيئة المتمردة، قوة يجب تقمصها لينال الاعجاب.
بعد 2003، أستيقظ الشعب، على طبق الديمقراطية، والحكم للشعب بما تمثله أصواتهم، ويجب الدفاع عن اصواتهم ودولتهم الشرعية، رغم أنها تمثل جزء قليل .. إلا أنها جاءت بصناديق الاقتراع.
هدوء ونبرة متزنة وسطية، معتدلة ، بلا سلاح وعنتريات وقوى تملك الحوار سلاحا؛ ستكون ضعيفة، ومحط استهزاء ، وسخرية لمن يرى الحرق والقتل والحرب هو الحل لكل الاشكاليات، وما سواها هو خضوع وخنوع واستسلام ، صراع من سيحدده، هم ابناء هذا البلد، واي الصور سيعكسها وطنهم، وما هو وضعه الداخلي، ومستوى التدخلات الخارجية.. جميعها تخضع لذاك الإصبع، الذي يرجح كفة قوى الهادئة قوى المؤمنة بالحوار ، وحاملة الوسطية والاعتدال، قوى الدولة التي ترى قوتها من قوة الدولة، واي ضعف للدولة سيسمح لايادي خارجية بالعبث بالوطن، كل تلك القوى المتجسدة برؤية وطن قوي وعزيز ومتطور ومحط سلام وتحاور، هي قوى دولة.
اما الاصبع الآخر.. سيكون رصاصة، وسلاح وصراع وتعصب واغتيال وكوارث وكواتم، وتدخلات وتخندقات وميليشيات وصواريخ وسط بغداد، وعبوات وساحة حرب جديدة، وموت جديد، وشهداء وقوافل ايتام ، تجارة التوابيت ستزدهر وطباعة الإعلام الملتفة بها الجثامين ستزدهر، وتجارة “البساطيل” والزي العسكري، وما جنينا سوى اجيالا من الايتام والارامل وفقر حتى الرمق الأخير، وسندفع الثمن لعقدين كاملين.
أي الاصبعين تختار.. فالطريق واضح واللغة والمظهر أوضح، ولا تحتاج الى فتوى ولا مرشد ولا مجهر، إصبع الرصاصة واصبع الوردة، كلاهما بيدك، وانت الذي تضعه في الصندق، وتذكر أنك شريك في ما تختار، الفساد المالي و الدم والقتل.. أم الدولة المزدهرة الهادئة المتطورة؟
تذكر أن أصبعك قد يكون رصاصة.. فأنتبه على من ستطلقها ولمصلحة من؟