19 ديسمبر، 2024 3:44 ص

الإسلام ومسؤولية العرب

الإسلام ومسؤولية العرب

هبط وحي الرسالة الاسلامية في ارض عربية ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ () نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِين﴾ على امة ارادها الله ان تكون وسطا وشاهدة على بقية الامم من خلقه ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ وجعل نبيهم مبشرا ومنذرا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ وجعل آخر كتبه بلغتهم ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾
ولاجدال ان اول امره وامر هذا الدين يكون في القرابة ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ ولكنه كان باديا منذ انطلاق الامر انه ذو بعد اكبر وغاية اعلى ﴿لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ وان التدرج المنطقي والزمني وسير الامور يوصل الى انذار الناس كافة من عذاب وتبشيرهم بجنة وثواب ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾.
فهذه العشيرة والاقربون وام القرى ومن حولها عليهم مسؤولية حمل الرسالة ونشرها في اصقاع الارض البعيدة لتبليغ ذلك الانذار وايصال تلك الرحمة للعالمين ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ﴾
وهذا تماما مافعله الصحابة والقرابة وابروا به وبذلوا دونه اموالهم ثم نفوسهم ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ﴾ فهؤلاء من صدق عهده لله وحمل أمانة رسالته ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ فقد علم اولئك الابرار وعلمهم النبي عليه الصلاة والسلام ان الاسلام رسالة عالمية وليست مكية ولامدنية فآمنوا بذلك وانطلقوا وسلمت الاجيال الراية لمن يليها وادى العرب امانتهم قرونا متوالية حتى رسخوه في ضمائر وعقول امم اخرى فحملته ونصرته ونشرته، وهذا امر لابد ان يدوم الى يوم الدين وليس عند سقوط العرب العباسيين ولا الترك العثمانيين عام 1923.
فالاسلام وان حملته امم اخرى وافلحت الا ان مسؤوليته الاولى وتعهد نشره على العرب ، الامة التي نزل القرآن بلسانها وبين ظهرانيها ، فان تحدي القرآن للعرب ابتداء يجعلهم اعمق من يؤمن به ونحن واذ لانوافق على ان معجزة القرآن هي اللغة وحدها فاننا نقر ان فهم العربي وتشربه لمعاني القرآن بل لروحه وملامسته لضمير المتحدث الام وشعوره وخلجات نفسه يضاعف من ايمان المرء عفوا ويعمق عقيدته ويترك بينه وبين آياته رابطا واثرا يضاف الى اثر القانون الشامل والفقه الكامل والعلم المعجز والقصص المذهل الذي يشمله هذا الكتاب الكريم و يتلمسه بيسر كل انسان وفي اي لغة كانت ما ان يصل اليه ويتدبره ،وهذا يزيد من مسؤولية العربي تجاه الرسالة. ثم كيف يصل الى ذلك الاجنبي ان لم يوصله العربي بتجارة او علم او معاملة.
والحكام العرب بمايفعلونه اليوم هم يتخلون عن واجبهم الحتمي ويجرون وراءهم شعوب العرب ممن تقاعس عن حمل الرسالة والتبشير بها لأجيال جديدة من الامم الاخرى لم تعرف لغة العرب ولايدري بعضها ماهو القرآن بل ولا حتى ماهو الاسلام.
واذا نظرت الى حكام من غير العرب في تركيا وباكستان وماليزيا وحكام الاقليات في سنغافورة وغيرها تجد انهم يتحملون تلك المسؤولية ولو بمقدار ، فهم ينافحون هنا ويكافحون هناك ويحاولون موازنة الامور ماسمح لهم ظرف الشر المسيطر على عالمنا اليوم ورجاله وماكنته ،الا ان العرب المكلفين اولا متقاعسون ، بل منهم متآمرون يحاولون بكل جهدهم القضاء على هذا الدين وكتابه المبين ، ليس فقط بطاعة الغرب واتباعه في انحلاله وانما وصل الامر ببعضهم الى حبس العلماء وقتلهم وتغيير مناهج التعليم لتنافي او تبتعد عن القرآن وعن الدين ، وهذا كله ليس بالمصادفة وانما بالتخطيط .
فالاطراف المعادية لدين الله من الملحدين والعلمانيين ، والاطراف المعادية للاسلام من مشارب ومذاهب اخرى حول العالم علمت ان العرب هم اهل الرسالة وارضهم مهبطها ، ولغتهم اداتها واجيالهم وسيلتها ولابد تصونها وتحملها ، فشددت التآمر على امة العرب بالخصوص واوغلت كثيرا بتفريقهم وابعادهم عن دينهم ولغتهم وقيمهم بل وجذورهم وأغرت عليهم سفهاءهم بتيارات مبتدعة وطعنت في اعتزازهم بتاريخهم وتراثهم وكتبهم وفقههم وبالتالي في قرآنهم وقرآن المسلمين ، وهذه هي الغاية الآخرة .
فالتخلي التدريجي لقادة العرب ومن جعلوا اولياء لأمورهم ينبئ بخطر كبير نحو امر الدين ، قبل عقود كان بعضهم يفتتح مراكز الدعوة ويطبع كتاب الله وينشر الدعاة والمترجمين ويشجع الاجانب الدارسين ومثل ذلك من نشاط حميد محمود وان قل ،واليوم ينشرون بدلا من ذلك اماكن اللهو ويرصدون الاموال لتوافه الامور بعيدا عن كل ذلك وخدمة لمن هو عدو لدينهم ولغتهم وتاريخهم.
فلابد للعرب من وقف هذا الانحدار وتدارك امر التخلي عن دين الله ومسؤولية التبشير والانذار كما امر الله هذه الامة ، والامر نافذ الى يوم القيامة ، ولابد للعرب كل العرب من وزيرهم الى غفيرهم ومن عظيمهم الى صغيرهم ومن عالمهم الى عاميهم ان يعلموا ان كلا منهم مسؤول بذاته عن تبليغ دين الله الى العالم كافة ولو بكلمة او بآية فهو حامل لغة كتاب الله ووارث الآل والصحابة الاولين الذي بهم باذن الله بلغ هذا الدين.
وعندي ان كل عربي هو داعية درى ام لم يدر ، فليتق الله ولينظر الى نفسه والى سؤال ربه له يوم التلاقي ولايكون قدوته حاكمه او عالمه ان كانا من غير حاملي رسالة الله وأمره.
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ ﴿قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ﴾
ربنا اجعلنا من الداعين الى سبيلك والمقتقين لسبيل خاتم المرسلين وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

أحدث المقالات

أحدث المقالات