23 ديسمبر، 2024 11:16 ص

الإسلام: لا ثيوقراطية ولا علمانية

الإسلام: لا ثيوقراطية ولا علمانية

أن مفكر مهم ذو وزن مثل السيّد قطب يقول إن الإسلام “جملة واحدة” إما ان يؤخذ كُله أو يُترك كله (سيّد قطب, دراسات إسلامية, ط10, (القاهرة: الشروق, 2002, ص88)), وهو طرح مقبول _ مرفوض, سهلٍ _ ممتنع, لأن الكمال لا يمكن بلوغه ونحن في القرن الحادي والعشرين قرن العولمة والحداثة والاستنساخ البشري, وعصر السرعة والتفوق الإلكتروني, والحداثة والانفتاح, وحتى سيد قطب نفسه لا يمكنه أن يثبت إن بلغ مرام الدين من عدمه, لأن الإسلام قيمة ربانية عليا, وقضية الإيمان محلها القلب وليس اللسان, وهي مسألة غيبية لا يقدر قيمتها إلا عالم الغيب والشهادة, مما يصعب على بشر في هذا العصر من البلوغ وبهذا فهو _ أي المسلم _ يُجاهد ويُقاتل ويُناضل من أجل تطبيق جزء مرضي من تعاليم الإسلام, والكثيرون منا صاروا يريدونها كفافاً, فهل يُعقل أن نكون كفرة ومشركين ومرتدين بمجرد عجزنا من ممارسة وتطبيق الالتزامات الدينية على أتم الوجه, والإلمام بكل تعاليم الشريعة (السمحاء) ونحن بشر نُخطئ ونُصيب, ليس لنا عصمة ولا قداسة من بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم), وحتى عمر بن الخطاب (رض الله عنه) اخطأ ذات مرة وقال قولته الشهيرة (اخطأ عمر وأصابت امرأة)(وهي الشفاء بنت عبد الله), أي لا عصمة لدينا حتى للخفاء الراشدين, فهل معنى كلام سيد قطب إننا لو اجتهدنا ولم نصب معناه إن لسنا مسلمين أو دخلنا خانة الشرك برأيه الشخصي, فقولة سيّد قطب إن الإسلام جملة يؤخذ كله أو يترك كله, يعني إننا غالبيتنا لن نُصبح مسلمين بنظر سيد قطب, وهذا قول يتقارب كثيراً من النظرية الثيوقراطية وطروحاتها الفكرية والفقهية التي تريد مجتمعاً وشعباً سوريالياً طوباوياً سيميائياً أقرب ما يكن إلى الفنتازيا واليوتيوبيا.

وأنْ الإسلام دين مدني بكل المقاييس, وعندما هاجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مكة لم يؤسس دولة دينية, وإنما دولة إسلامية مدنية, سماها دولة المدينة, أو الدولة المدينية, ولم يُسمها

“دولة الدين” أو “الدولة الدينية” _ ولو فعل ذلك لأنتهى الامر إلى دولة إسلامية دينية _, وأنتفت الحاجة للدولة المدنية العصرية, وهو تبرير واضح برفض الإسلام للثيوقراطية بما هي سلطة أو دولة دينية, وإن تأسيس الرسول (صلى الله عليه وسلم) دولة الإسلام بهذا الشكل إشارة منه بإن الدولة هي اجتهاد بشري, وليست نص قرآني كما تعتبره الحركات الإسلامية, وهو أمر يجوز الاجتهاد بها وتأويلاها بما يُلائم معطيات الواقع وتطلعات العصر, وبما يُحقق رفاهية الفرد والمجتمع, ومن هنا جاء حديثه الشريف: (أنتم أدرى بأمور دنياكم), وهو ما تُغيبه الحركات الإسلامية من فكرها السياسي.

إذ أصبحت الدولة الدينية أحدى اهم ملامح دولة الإسلام السياسي التي انبثقت من تفاعل الحركات الإسلامية وحراكها التنظيمي والسياسي, من خلال التوظيف الكامل للدين في المخيال السياسي, إلا إن هذا لا يمنع القول بإن الدولة في الإسلام مدنية وليست دينية, كما وليست علمانية تفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي, ولا هي ثيوقراطية تمزج بين ما هو ديني وما هو سياسي, وإن رفض الإسلام للعلمانية وللثيوقراطية ليس لأنهما منتوجان أوروبيان, وإنما لعدم إتساقهما مع مميزات وخصائص الإسلام والبيئة العربية, والإسلام بهذا التصور هو ليس دين ثيوقراطي بالمعنى الكنسي, ولا هو علماني بالمعنى الأوروبي, وإنما الإسلام هو سلطة دينية وفق الشروط الإسلامية, وسلطة علمانية وفق السياقات الإسلامية, لا جمع بينهما في سلةٍ واحدة وإنما أخذ إيجابيات كل واحده منهما, وبهذا فالإسلام مدني وليس دين ثيوقراطي.

أي إن الإسلام لا هو دين ثيوقراطي .. ولا هو دين علماني .. إنما هو دين له مميزاته الخاصة التي ترفض النقيضين (العلماني والديني) لتطرح نقيض ثالث, أسمه التمييز.