أسهبَ: أطال وتوسّع
أطنبَ: أكثرَ وبالغ
الدين يسير وبسيط لكن الميل إلى جعله عسيرا تواصل معه منذ البدايات الأولى , والسبب ربما يكون لأغراض المتجارة وتحويله إلى بضاعة , وإستحواذ البعض على المعرفة به.
فعندما نتصفح الشروحات والتفاسير القرآية نقف أمام أكداس هائلة من الموسوعات التفسيرية , التي لا يمكن لعقل أن يستوعبها ويلم بها مهما توهم , ولا تزال الإمعانات في خوض عباب التفسير والتأويل متعاظمة , حتى لتحقق التشويش والتشويه.
ومنذ البدايات نبه المسلمون الأوائل إلى ضرورة تيسير الدين , لكن الإتجاه التعسيري هو الذي تمكن وتحقق في الحياة , مما أدى إلى مآلات ذات تداعيات خطيرة تعاني منها الأمة وتئن الأجيال.
فهل يُعقل أن المسلم يمكنه أن يقرأ ما يقرب من ثلاثمئة صفحة لتفسير سورة الفاتحة كما جاء في تفسير الرازي , وهل يُعقل أن المسلم العادي يمكنه أن يقرأ ثلاثين كتابا في تفسير القرآن؟!
إن المسلمين بما إطلعوا عليه من معارف وعلوم قد أسهموا بتعقيد الدين وربما تدميره , خصوصا ونحن في عصر بحاجة للإيجاز والتبسيط والتكثيف , والقدرة على إيصال المعنى والفحوى بأقل الكلمات الدالة المبينة.
ويبدو أن هذا الإسهاب والإطناب والإفاضة الشديدة , ربما أسهم وبقوة بتجهيل المسلمين وأميتهم الدينية بمعناها المقاصدي والسلوكي , وأصبح من الصعب على المسلم أن يعرف دينه حق المعرفة , لأنه سيغرق وسيختنق ويفقد الوعي والفهم والإدراك.
فالمسلم لا يحتاج لأكثر من مختصر تفسير الطبري , بل وربما أقل من ذلك , ولبضعة كلمات لتفسير سورة الفاتحة , والمهم أن يعرف الطريق المستقيم الذي هو لبها وجوهرها , ولا يريد أن يقرأ كتابا أو كتبا لتفسيرها , فهذا لا يضيف إليه شيئا , وقد يبعده عن الإقتراب من الدين المقدم إليه على طبق مطلسم ومعقد ومدغم.
وعليه فأن المفكرين المسلمين المعاصرين سيرتكبون خطيئة كبيرة , إذا ساروا على خطى الأولين وتجاهلوا إرادة زمانهم ومكانهم والسلوك البشري المعاصر , وعليهم أن يتقنوا فن الإيجاز والتكثيف والتبسيط والتوضيح بكلمات سهلة ومفهومة , أما الخوض في متاهات السابقين فأن ذلك يعني أنهم سيساهمون بتجهيل المسلمين وتغريب الإسلام , وحشره في الكتب وركنه فوق الرفوف.
ولايزال واقع المسلمين خاليا من الفقهاء المُبسطين المنورين القادرين على تسهيل أمور الدين , وتوضيح آيات القرآن بكلام بليغ مختصر وأمين , يحفظ معاني الدين وجوهر آيات القرآن الكريم.
وهذه مشكلة أو معضلة لايزال العارفون بالدين لا يشيرون إليها ولا يعملون بموجبها , ومعظمهم يغرق في أكداس كتبٍ لا يمكنه النجاة منها وتنفس هواء عصره.
والمطلوب من الفقهاء والعلماء التبصر بحاجات الإنسان , والإجتهاد في تأليف المختصرات الكفيلة بتعليم فحوى الدين.
فالإطناب والإسهاب لا يعنيان المعرفة , وإنما قد يشيران للإضطراب!!
فلا تطنبوا ولا تسهبوا وكونوا من الذين يختصرون ويوفون!!