بداية لا يوجد في الطروحات الفكرية والثقافية للإسلام مصطلح تحت عنوان (الإسلام السياسي) ولا غيره من المصطلحات المشبوهة التي جاء بها المغرضون لتشويه سمعت الإسلام الأركانية وتمزيق صورته الأصولية المشرقة 0
فإنِّ الله عندما نزل دينه على النبي محمد (ص) انزله كيانا واحدا متماسكا لا توجد فيه ثغرات ولا عيوب فلا يوجد في منهج الإسلام وبرنامجه العقائدي والتشريعي ما يسمى بالإسلام السياسي أو الإسلام الإقتصادي او المالي أو غيره من المسميات المادية التجزيئية 0
وعليه فالإسلام هو كيان واحد صلب البنية متماسك وسميك الجدار لا تنهار بنيته المتراصة ولا يتهدم جداره امام اية محاولة للنيل منه وكل ذلك لأنه متأت ٍ من الله0
وهو القائل سبحانه عن كمال دينه في مختلف انشطة الحياة الأنسانية :- (وَلا يأتونكَ بِمَثَلٍ إلاَّ جئناكَ بالحق ِّ وأَحسنَ تفسيرا – الفرقان/33 )0
فالمصطلحات المادية الدنيوية التي يصوغها الإنسان اعتماداً على ما تجود به قريحته او تزوده به بنات افكاره لا تساوي شيئا امام المصطلحات الألهية التي جاءت في الكتب السماوية لأن الله أعلم بما يريد الإنسان في مقتضيات حياته وواجبات عبادته 0
واضرب هنا مثلا على تماسك الإسلام والترابط المحكم بين مقتضيات العبادة وحاجات الإنسان الدنيوية في مسالة السياسة المالية فيما تنطوي عليه من التعاملات المالية والمضاربات المصرفية قال سبحانه :- ( ولا تأكولوا أموالكم بينكم بالباطل) ففي هذه الأية تنظيم للتعاملات المالية والتي يجب ان تكون مبنية على المصداقية والسلامة وبعيدة عن الغش والتزوير وتسير على طريق الحق وليست تتصف بالكذب والرياء واكل الربا والسحت والسرقة والنصب والأحتيال 0
وهنا يرشد الله عبده الذي يريد أن يكون صادقا في عبادته لربه عبر اجتناب التعامل المال المحرم عند البيع والشراء وغير المشروع وان يسلك طريق التعامل المالي الحلال وفق ما شرع الله وتجد ان الله يربط بين عبادته والتعامل المالي فإن التعامل المالي الحلال فيه عبادة لله 0
وفي السياسة الأقتصادية من أجل تنمية الأقتصاد وتنظيمه والنهوض به فقد قال تعالى ( ولاتسرفوا إن الله لا يحب المسرفين ) والإسراف في اضيق شرح له إنَّه على الإنسان ان لا يقتني حاجة على أي مستوى اكثر مما يحتاج فعلى سبيل المثال ان هناك انسان يحتاج الى ثوبين فمن الإسراف ان يشتريَ عشرة اثواب ويضعها في خزَّانة الملابس وهو في غنى عنها 0
وفي السياسة في جانب النشاط الدبلوماسي وهو اليوم من اهم انشطة العلاقات السياسية بين مختلف شعوب كوكب الأرض فقد قال سبحانه :- ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم) ففي هذه الآية دعوة موجهة من الله الى بني الإنسان بالسعي إلى إقامة علاقات طيبة مع باقي الناس مبنية على الإحترام المتبادل للحقوق والتقاليد والقيم الخاصة وعدم انتهاكها 0
وبين البلدان عدم تدخل أي بلد بالشؤون الداخلية للبلد الآخر وسعي جميع دول العالم الى اقامة علاقات ثنائية بينها حسنة وجيِّدة بما يعود بالفائدة على شعبي البلدين والشعوب الأخرى 0
وفي توجيه عام لنبيه محمد (ص) قال الله سبحانه له:- ( وما ارسلناك إلّا مبشرّاً ونذيرا ) والتبشير هنا ان يعلِّم الناس عمل الخير وكل معروف ويتجنب عمل الشر وكل عمل منكر من اجل بناء حياة للإنسانية فيها السعادة والازدهاروالنماء والأمن والإستقرار واكتفي بهذ الأمثلة لتوضيح البناء العقائدي والتعاملاتي للإسلام من انه بناء ينطوي على انظمة وقوانين تخص كل صغيرة وكبيرة في مجمل مفردات الحياة الإنسانية 0
أعود لأقول فهذه التسمية الإسلام السياسي الخبيثة والحاقدة والمغرضة في ما تتبنى من اهداف وغايات تسعى الى ازاحة الإسلام من طريقها لتختلي هي بالناس دون منازع فتتولى توجيههم وتستحوذ على ثقافاتهم وعقولهم وأفكارهم وتقتادهم بكل سلاسة نحو ما تريد وترغب دون منافس فكري ولا حضاري ولا تاريخي ولا عقائدي0
ولأن الدين الإسلامي يشكل (الوعاء) لكل هذه القيم والمفرادت المعرفية النبيلة وبالمحصلة فهو يشكل اكبر عقبة في طريقها للوصول الى اهدافها غير المشروعة لانه لايوجد من يذكي في اعماقهم روح الثورة ومقاومة العبودية والعدوان والإستغلال ونهب الخيرات وامتهان الكرامة كرامة الإنسان واستعباده 0
وذلك لأن الصفة الثورية المقاومة للظلم والطغيان والمتحدية لمختلف اشكال التعسف والعبودية والمذلة لا توجد بشكلها القادر على مقاومة ومواجهة كل ذلك وغيره من اشكال تسخير الإنسان واستغلاله 0
لا توجد ولا تتشكل إلّا في الفكر الأسلامي النير والمتضمن لشروط النهضة ولا تتفجرعواملها الثورية نحو افق التحدي للافكار المهزوزة والأهداف العقيمة والفاسدة إلاّ في عقيدة الإسلام فهي تتجلى باوسع وانصع صورة لها في الإسلام بنظام الجهاد في سبيل الله 0
وكذلك مترجمة عمليا بقول المؤمنين بالله والمطيعين لنبيه محمد (النصر او الشهادة ) والتي تعني عند اهل الإسلام إمّا الأنتصار في الدنيا بحيث تنفتح جميع الآفاق واسعة امامنا لنشر ديننا او نستشهد من اجلها فتبقى جذوة نور شهادتنا مشتعلة بروح الثورة والنهضة لتنير الدرب امام اجيالنا المستقبلية لاكمال المسيرة 0
لذلك فهذه التسمية او مصطلح (الإسلام السياسي ) اطلقها اهل الحقد والضغينة وهم اعداء الإسلام وما اكثرهم في هذه الأيام من اجل تجزئة الكيان النظامي والقانوني والشرعي الواحد للإسلام سعيا وراء تشتيت كلمته الواحدة وفعله العميق المتضامن تحت قول رسول الله –ص- ( المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )0
وهذا الحديث يتناول تماسك المسلمين ووحدتهم ويعبر عنها بهذا التعبير الدقيق عبر تشبيه المسلمين مجتمعين كأنَّهم جسد واحد وذلك لتأثير قدرات الإسلام الفاعل والقوي على مجمل الأنشطة الحياتية الإنسانية والذي لا يقبل التجزئة او التمزيق او التفتيت0
فالإسلام هو دين المثالية الواحدة بصورتها الناصعة والمتكاملة دون تشويش او ضبابية فهي اقوى من مختلف الحجب وقادرة بمُثِلِها العالية على اختراقها والنفاذ منها بنورها الثاقب نحو آفاق تهذيب الإنسان فكرا ومعرفة وثقافة ومن ثمَّ بناء انسان جديد منه كريم النزعة في تعامله مع الآخرين في احترام حقوقهم وعدم انتهاك خصوصياتهم ، ثوري المواجه ضد قوى الشر والظلام والعمل على اجتثاثها من الطريق المستقيم للإنسانية وزرع قيم الخير والمحبة والتعاون والتضامن بين الناس بدلا منها 0
وبهذه الصفات تكون المثالية المنبثقة عن العقيدة الإسلامية هي التي تنشدها الإنسانية ولم تصل إليها ولن تصل إليها ابدا إلاّ اذا امنت بالإسلام كدين وكنظام عام ومطلق في ادارة شؤون الحياة لكل امم الأرض وشعوبها 0
فسكان كوكب الأرض اليوم هم دول بحدود سياسية مصطنعة صنعتها الأطماع الإقتصادية والتجارية للدول الكبرى في بحثها عن الثروات والخيارات المتعددة والنفوذ على غرار ماكنت تفعل الكنيسة ، كنيسة فترة ( القروسطية ) فقد الحقت بهم اضرارا فادحة فكانت سببا في استعمار دولة لدولة وكانت سببا بنشوب صراعات ونزاعات دامية بين هذه الدولة وتلك كما حالت بينهم في اطار التكامل والتفاعل والتعاون المنشود لبناء حياة انسانية سعيد ومرفهة لجميع سكان كوكب الأرض دون استثناء ودون تمايز0
فالإسلام ليس من شأنه ولا من مضامين بناءه العقادي والتعاملاتي ان يكون سياسيا فقط ويهمل جوانب الحياة الأخرى فكلها مطلوبة لهذه الحياة بصغيرها وكبيرها بغثها وسمينها ،، فعجلة الحياة لا تدور إلاّ مع تكامل كل عناصر وآليات حركتها ولا يمكن لأي فكر او ثقافة او حضارة توفير مستلزمات هذه الحركة بشكلها الكامل والمطلوب غير فكر وثقافة وحضارة الإسلام 0
فليبؤ خاسئا كل من يحاول تجزئة بناء الإسلام تجزئة تافهة (سياسي واقتصادي وتجاري وسلفي واصولي وغيرها ) لتمرير مخططاته واهدافه وإن شاء الله الى فشلٍ ذريع كلُّ محاولاته والى بعثرةٍ كل جهوده وفي النهاية يحصد الخيبة والخسران والندم بعد الهزيمة النكراء 0