الإستقالة من المناصب العليا في أية أمة ذات شرفين هما: شرف الإعتراف بالخطأ أولا، والندم عليه ثانيا، والإستقالة بشكل عام، ذات مقبولية شعبية شاملة من قبل الشعب الذي غالبا ما يتسمح مع ابنائه الخطائين وليس المجرمين بالطبع.
ولكن لماذا لا يوجد مثل هذا الشرف عند النواب والمسؤولين الحكومين والقضاة العراقيين الا حالات لا تزيد عن أصابع اليد؟
الا يستحق هذا الأمر التوقف عنده لحظة؟
هناك المئات من المحطات التي يمكن التوقف فيها لمعرفة الذين قدموا إستقالاتهم لسبب ما، وغالبا ما تكون الإستقالات نتيجة خطأ في التوقعات، او التأخر عن الجلسات، او ظاهرة التحرش الجنسي، أو بسبب الدعاية الإنتخابية وتمويلها، وبدرجة أقل هو الإعتداء على المال العام؟ هذه هي أهم أسباب تقديم الإستقالة في الغرب، وكما تلاحظ ان المسألة مثلا لا تتعلق بالقتل والإرهاب وتجارة المخدرات وتسيس القضاء، والإعتداء على المدنيين العزل، او التخابر مع دول مجاورة، او الإعتراف أمام وسائل الإعلام بالسرقة او الإغتيال، ولا تتعلق أيضا بالخطب التحريضية على قتل اصحاب الدين والمذهب المخالف، ولا تفريغ خزينة الدولة لصالح دولة مجاورة، ولا تتعلق ايضا بالرشاوي ولا تزوير الشهادات الأكاديمية، وتعيين الأقارب في وظائف الدولة العليا، كما يحدث حاليا في العراق.
ومما شك فيه إن حرية الإعلام هي التي تقف وراء كشف فضائح السياسيين، لأن الإعلام في الغرب هو فعلا السلطة الرابعة، في حين في الدول المتحلفة كالعراق، يكون الإعلام أشبه بجحش الدولة وهو محسوب على السلطة التنفيذية، وليس له واجب الرقابة على مؤسسات الدولة، وكشفها للرأي العام وإنما ينحصر عمله في التغطية على جرائم السلطة التنفيذية، وتمويه الحقائق على الشعب وإستغفاله، لذا يمكن الجزم بأنه لا توجد أية مصداقية للإعلام العراقي لا داخل العراق ولا خارجه، ونقابة وجمعية الأدباء والصحفيين هي دكاكين للسلطة التنفيذية لا اكثر. ان الإعلام الحقيقي لواقع العراق هو الإعلام العراقي في الخارج، أي البعيد عن سلطة الترهيب والترغيب، ويوجد عدد قليل من حملة الأقلام الوطنية الشريفة داخل العراق، وهم أما مغيبون طوعا أو قسرا، أو هم مراقبون من قبل الحكومة القمعية وميليشياتها المسعورة، وكلا الحالين لا يسر. ولعل إختطاف الإعلامية أفراح شوقي من قبل ميليشيا رسمية ممثلة بالحشد الشعبي، وإختطاف الإعلامي سمير عبيد من قبل جهاز المخابرات والعشرات غيرهم تكشف حقيقة حال الإعلام في العراق. وفي الوقت الذي كانت أبواق الحكومة تصدح بأنه الفتح المبارك (للعملاء والجواسيس بالطبع) جلب للعراق حرية التعبير، فإنه حتى هذا المنجز الوحيد تبين عدم صحته، إنها خيبة الخيبات.
وهذه بعض المحطات التي يمكن التوقف عندها لنقارن وضعنا المر مع العالم المتحضر، وأين مكاننا منهم؟
في بداية العام الحالي 2018 إستقال عضو مجلس اللوردات البريطاني (لورد بيتس) من منصبه بعد تأخره عن المجلس خمسة دقائق، وجاء في كلمته التي لم تتجاوز عبارتين ” أنا أشعر بخجل شديد، وكان من المفروض أن أكون متواجدا للأجابة على السؤال”، وانهاها بالقول” إسمحوا لي بأن أتقدم بإستقالتي”. علما ان اللود كان سيجب خلال تلك الجلسة نيابة عن رئيسة الوزراء البريطانية (تيريزا ماي) في مجلس العموم بسبب سفر الأخيرة الى الصين. وعلى الرغم من الحاح رئيس المجلس وممثليه على اللورد للعودة، لكنه أصر على مغادرة المجلس.
وفي عام 2017 قدم نائب رئيس الحكومة البريطانية (داميان غرين) إستقالته الى رئيسة وزراء بريطانية (تيريزا ماي) جراء تحقيق يتعلق بمهنته وهو ذو شقين، الأول: هو العثور على مواد أباحية على حاسوبه، وقد نفى غرين هذه التهمة، ولم تتمكن الشرطة من التحقيق فيما إذا كان قد إطلع على تلكم المواد من عدمه. والثاني: هو إنتهاك السلوك الوزاري بالتحرش بالصحفية البريطانية (كايت مالتبي) حيث لمس ركبتها. وقد إعتذر غرين عن اساءته للصحفية والأذى الذي سببه لها.
في عام 2014 قدم نائب رئيس الوزراء المصري (زياد أحمد بهاد الدين) استقالته الى رئيس الوزراء (حازم الببلاوي) بغية إستئناف نشاطه الحزبي خارج إطار الحكومة، معتبرا أن دوره القادم سيكون أكثر اتساقا وفاعلية. فضل الحزب على مزايا الحكومة، رافضا الجمع بينهما.
في عام 2016 أعلن رئيس وزراء بريطانيا (ديفيد كاميرون) إستقالته بعد خسارة الحملة التي كان يتزعمها لإبقاء بريطانيا داخل الإتحاد الأوربي، حيث اظهرت نتائج الإستطلاع أن 51.9 صوتا ضد بقاء بريطانيا داخل الإتحاد الأوربي. سوء في التخمين لا أكثر.
وقبلها في عام 2008 قدم وزير العمل البريطاني (بيتر هين) إستقالته من منصبه أثر قضية تتعلق بتبرعات لصالح حملته الإنتخابية للشرطة والتي تجاوزت (100) ألف جنيه استرليني. لاحظ المبلغ رغم ضآلته، لكنه لم يدخل حسابه الشخصي، بل لتمويل دعاية إنتخابية.
الإستقالات في العراق
في عام 2017 في العراق قدم النائب عن اتحاد القوى مطشر السوداني إستقالته من البرلمان بسبب وضعه الصحي. وهو أمر طبيعي لا غبار عليه ولا يتعلق بفضيحة سياسية ولا المسيرة السياسية للنائب، وهناك آلاف من مثل هذا الحالات التي لا تستدعي الإشادة بها.
في نفس العام قدم النائب عن محافظة الأنبار طالب الخربيط إستقالته وكانت أول إستقالة وطنية ومشرفة تعبر عن شعور بالمسؤلية والمواطنة الحقيقية، جاء فيها ” أرجو قبول إستقالتي من مجلس النواب حتى لا أكون شاهد على خيانة بلدي”. مضيفا بجرأة كبيرة” أنا أديت القسم، فلماذا لا يُحترم المواطن العراقي؟ ولماذا يُقتل بدم بارد وبإستهتار من الحكومة”.
ولنقارن بعض أقوال النواب العراقيين وإستحقاقاتها القانونية.
النائبة العراقية حنان الفتلاوي، المنفلتة الأخلاق واللسان، وهي من جماعة العميل السري (7)، تطالب أهلنا الشيعة بقتل (7) من السنة مقابل مقتل (7) من الشيعة. تحريص على الإرهاب مشمول بالمادة4/ ارهاب. علما ان التصريح موجود على اليوتيوب، ولم تعتذر النائبة المسعورة عن تصريحها الإرهابي، أما القانون ورجال فقد إختفوا كالجرذان، لأن جميع أعضاء المحكمة العليا من الشيعة.
وهذه النائبة الناهبة تعتبر المنصب غنيمة فتقول” إجينة بحماس كلنة، كلنا نريد نتقاسم الكعكة، وكلمن أخذ كيكته وفرح بيها، عقود ومناقصات وكوموشنات واستفادينا”.
قال النائب مشعان الجبوري” كلنا نبوك (نسرق)، كلنا نأخذ رشوة، ومن يقول بأنه لا يأخذ مهما علا شأنه يكذب”. وعندما سئل فيما إذا إستلم رشوة؟ أجاب” نعم والله! بشرفي أخذت حتى اسكر ملف، أخذت كم مليون دولار”.
سرقة ورشوى. ولم يجرأ اي فرد في مجلس النواب والحكومة بأن يقاضي النائب، السؤال: السؤال: لماذا؟ هناك إحتمالان:
أولهما: ان الجبوري يمتلك ميليشا قوية لا يمكن لأحد ان يضاهيها قوة في العراق، او لنفترض جدلا بمستوى الميليشيات الشيعية على الساحة العراقية، وسوف تنكل بمن يقاضي النائب مشعان. وهذا السبب باطل، لأن الجبوري لا يمتلك ميليشا، لا أحد يشد ساعده سوى عشيرة الجبور وهي العشيرة الوحيدة في العراق التي استأثرت المناصب في البرلمان والحكومة، ولو اجريت احصائية بشأن عدد الجبور في البرلمان ومجالس المحافظات والحكومة، لتبيت الحقيقة. لكن مع هذا فأنه شمل بتصريحه جميع النواب والمسؤولين الجبور.
ثانيا: هم جميعا من الفاسدين والمجرمين (بموجب القانون)، لذا فهم سكتوا لأن الجبوري يمتلك من الأدلة والوثائق بما يدينهم. فآثروا الصمت، وهذا هو الإحتمال المقبول.
ومن يجد مبررا آخرا ، ليكرمنا به، خدمة للصالح العام، والوطن المسلوب من قبل الدجالين والأفاكين. الطريف في الأمر ان مشعان الجبوي عضو في لجنة النزاهة! لا تعليق!
ربما يسأل القاريء الفاضل: أين القضاء العراقي من هذا الإعتراف الصريح والموثق.
الجواب: كانت القاعدة القانونية (الإعتراف سيد الأدلة) اشبة بقطعة الكلينكس، تمسح القضاة بها ورموها في سلة المهملات، وربما يعودوا اليها عندما يجدوا ضرورة للتمسح بها ثانية!
النائب العراقي الدايح مطشر السامرائي يصف الشعب العراقي بالدايح، وهي صفة مسيئة تطلق على أولاد الشوارع، وقد شمل بها الناخبين الذين لم يجدوا ثورا يمثلهم سوى هذا الأمعي، وإهانة الشعب جريمة وفق القانون، فلا النائب إعتذر ولا القضاء حاسبه!
هناك المئات من الشواهد، ويمكن الرجوع اليها بسهولة عبر المواقع.
نختم الموضوع بالقول.
(الإستقالة شرف كبير للمسؤول عند تقاعسه في إداء واجبه، لذا ليس من المتوقع أن ينال جميع المسؤولين مثل هذا الشرف الكبير).