23 ديسمبر، 2024 9:35 ص

الإستراتيجية الأمريكية المقبلة

الإستراتيجية الأمريكية المقبلة

لا احد يستطيع أن يتكهن ماذا يمكن أن يحصل غدا لأنه يقع ضمن دائرة علم الغيب وحتى من يخطط ويرتب للمستقبل لا يمكنه أن يعرف مدى نجاحه أو فشله فلكل حدث مقومات نجاحه التي قد لا تكتمل حسب الأوضاع الدولية العامة وحسب وضع البلد / أي بلد بخصوصيته وفي نظرة سريعة الى الوراء وتفحص موازين القوى العالمية قد نحاول أن نرسم ملامح عامة لما يمكن أن يكون عليه وضعنا في المستقبل والمستقبل لقريب المنظور ولا يمكن في حال من الأحوال أن لا يدرك أي إنسان يمتلك المستوى الأدنى من المعرفة ولا نقول السياسية لأنها بحر متلاطم الأطراف ليس له بداية ولا نهاية إنما من المعرفة العامة إن الظروف بشكل أو بأخر جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية السيد الأول في العالم على الرغم من حداثتها وتاريخها الذي لم يخلو من صراعات داخلية وأصبحت لما تمتلك من إمكانيات مالية وعلمية سخرت معظمها لصنع الآلة العسكرية التي أصبحت تمثل القوة والسطوة وان لم تهمل باقي جوانب الحياة خصوصا وإنها تتزعم حلف شمال الأطلسي الذي تكونه أوربا الغربية ضع في حسابك إنها نجحت الى ابعد حد في شل منافسها الأكبر في القوة العسكرية روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق التي تعاني من أزمات اقتصادية لا تنتهي رغم ما يتمتع به زعيمها ورمز قوتها الحالي بوتن من حنكة وقابليات عالية في إدارتها لكنه لا يستطيع خرق الطبيعة البشرية ولا يمتلك المصباح السحري ليصنع المعجزات.

لقد نجحت الولايات المتحدة ومن خلفها منظومة الاتحاد الأوربي رغم بعض الاختلافات البسيطة في آلية تنفيذ برامجها ورؤاها المستقبلية إلا أنهم لا يختلفون في الهدف الأول المتمثل في قيادة العالم , نجحت في أن تضع من تخشاه أو تتحسب لنموه وتطوره على الحياد إذا لم نقل الى جانبها أو الأصح الخضوع الى إرادتها فالولايات المتحدة الأمريكية لا تخشى من قوة الاقتصاد الياباني أو قوة الصين الاقتصادية والعلمية المتطورة والمتجددة وهي الدولة الأكثر توحدا أو حتى كوريا التي امتلكت القنبلة النووية والصواريخ بعيدة المدى أما بالاتفاق من خلال توقيع الاتفاقيات أو باستخدام العصا فينصاع خصمها الى رغبتها بشكل أو بآخر وهي ليست على استعداد ومعها من تحالف معها لان تسمح لنمو قوة جديدة في العالم وليس في إقليمنا خاصة والعالم عامة وهذا ما تحاول الوصول إليه مع إيران الآن وطبعا آخر العلاج الكي بمعنى أنها ليست على استعداد دائم للقتال مع أي دولة قوية أو ضعيفة إلا عند الضرورة وحين يكون لديها ضمان بحسم النتائج لصالحها قطعا وبعد التمهيد لذلك باستخدام وسائل مؤلمة ومؤثرة.

الولايات المتحدة الأمريكية دولة رأسمالية سياستها واضحة بل إنها المنظر الأكبر في العالم لنظريات هذا النظام وهي تعاني من مشاكل اقتصادية داخلية متشعبة بحكم وضعها العالمي وهناك غيرها من الدول التي يستطيع التأثير في اقتصادها لذلك هي تحاول دائما نقل أزماتها الداخلية الى خارج بلادها فسياستها تعتمد كليا على تصدير الأزمات لإضعاف غيرها والاعتياش على هذا الوضع ونمو اقتصادها عن هذا الطريق الذي تشغل به غيرها لتتمكن من امتصاص ثروات شعوب الأرض واهم ما تعتمد عليه في الوصول الى هذا الهدف أن تدفع بقيادات غبية وضعيفة في بلدان العالم اقل ما يقال عنها إنها لا تستطيع الاستغناء عن الاحتماء بها من شعوبها ومن أطماع غيرها من الدول الأخرى الأقوى منها.

لم تأتي سيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم عن فراغ وإنما جاءت عن تخطيط مسبق لها خصوصا في النصف الثاني من القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية وأنفقت لذلك المليارات الهائلة من الدولارات ونشرت قواعدها العسكرية في كل مكان من الكرة الأرضية ولا داعي للخوض في مناطق انتشار أساطيلها البحرية المجهزة بأحدث التكنولوجيا الحربية حتى أصبح ضرب من الخيال اللحاق بها من أي دولة في العالم وحتى من حلفائها الأوربيين فقوتها تفوق أكثر من ضعف قوتهم مجتمعين بالإضافة الى هيمنتها على القرارات العالمية في الأمم المتحدة فهي صاحبة الصوت الأعلى والأقوى لذلك صارت رغباتها أوامر تطاع وتنفذ بشكل أو بآخر وهذا لا يعني أن أصوات الآخرين قد ضاعت ولكنها تصاغرت أمامها وهي إذ ترسم السياسة العالمية أصبح لزاما على دول العالم حتى القوي منها والمؤثر اقتصاديا أن يتماشى مع سياستها وعصيانها يعني اقتراب ذلك النظام من نهايته ودنو اجله بلا أن يجد من يرحمه إن آجلا أو عاجلا.

تعتمد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية على الواقعية المستنبطة من دراسات واستنتاجات مراكز البحوث المتطورة المبنية على دراسة تراكم خبرات التجارب السابقة لرسم سياستها المستقبلية وهذا لا يعني تمجيدا لها وإنما عليك لكي تفهم عدوك أن تعرف أساليب عمله لتستطيع الابتعاد عن الوقوع فريسة سهلة بين مخالبه القاتلة وعليك أن ترى ما حصل لغيرك وتحاول إنقاذ نفسك من محنته.

إن الولايات المتحدة الأمريكية هي النسخة المطورة للمملكة المتحدة تعتمد أساليبها في التأني والطبخ على نار هادئة للوصول الى أهدافها وقد ورثت عنها كل أساليب الخبث ومحاولات السيطرة على الدول التي تمتلك مصادر الثروة وبعد أن أيقنت إن الحكام قد استنفذوا وجودهم وأصبح لزاما تغير الوجوه التي شاخت وهرمت فأصبحت تصدر الديمقراطية الى العالم بنسخة مختلفة جدا عن تلك التي تطبق فيها أو في الدول الغربية ولا يفوز فيها إلا من يقدم أكثر من عروض الولاء والطاعة وقد حصل هذا في العديد من دول العالم ومنها ما حصل في منطقتنا وقد نجحت كما خططت في إثارة الشارع وتحريكه لإسقاط حكوماته وشتت قواه ولا زال الجميع يسترضيها والبقية تأتي تباعا لان هناك من أينع ثمره وحان قطافه إلا إذا شاءت قدرة الله غير ذلك
منطقة المرفقات