القسم الثالث
لقد قدمنا في القسمين السابقين ، بيانات ودلائل إختلاف مفاهيم الإستقالة في عدد من حالات الوظيفة العامة ، وما يترتب على كل منها من حيث الإستحقاق القانوني في بعض جوانب الحياة الوظيفية ، تمهيدا لبيان مفهوم الإستقالة لذوي المناصب وما يترتب عليها ، في ضوء ما أثير حول إستحقاق رئيس مجلس الوزراء السابق للراتب التقاعدي ، موضحين إبتداءا وتكرارا مملا ، بأن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ، ونوابهم ، وأعضاء مجلس النواب ، والوزراء ، وكل من يعين بدرجة وزير ( راتب وزير ) أو غيرهما نزولا بعنوان لم يرد ذكره في جداول العناوين الوظيفية الملحقة بقانون الملاك رقم (25) لسنة 1960- المعدل أو غيرها ، هم من ذوي المناصب في الدولة ، ولا يعتبرون موظفين خلال مدة عملهم بعنوان أي منصب وإن كانوا من الموظفين قبل ذلك . وتنتهي خدماتهم في جميع الحالات المعروفة ومنها المستندة إلى مفهوم ودلائل الإستقالة بشكل عام ، وغالبا ما تكون بدون رغبتهم ولا إرإدتهم وهم في المنصب ، وفي معظمها لا تمت بصلة إلى مفهوم إستقالة الموظف بالشكل المطلق ، وإنما هي إنفكاك لغرض بيان قطع العلاقة بالمنصب لإشغاله من قبل البديل الحتمي ، وذلك ما لا يعمل بموجبه في حالة الموظف العام . وعليه نجد نصوص الدستور في هذا الموضوع تؤكد صحة ذلك المفهوم ، إنسجاما مع إنتهاء التكليف في المنصب قبل إنتهاء مدته المقررة في أغلب الأحيان حيث :-
أولا- نصت المادة (49/خامسا ) منه ، على أن ( يقوم مجلس النواب بسن قانون يعالج حالات إستبدال أعضائه عند الإستقالة أو الإقالة أو الوفاة ) … وذلك ما تم تشريعه بقانون إستبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006- المعدل بالقانون رقم (49) لسنة 2007 ، حيث تنتهي العضوية في مجلس النواب لأحد الأسباب الآتية ( المادة-1-3- قبول الاستقالة أو الإقالة من مجلس النواب ) . ومنطوق المادة (2) منه ( إذا شغر أحد مقاعد مجلس النواب لأحد الأسباب المذكورة في المادة الأولى ، فيتم إستبداله بمرشح من نفس القائمة التي شغر المقعد المخصص لها في مجلس النواب وحسب الترتيب التالي … إلخ ) . وكان ذلك ( نظرا لوجود مقاعد شاغرة في مجلس النواب ، بسبب تبوء عدد من الأعضاء المناصب السيادية والوزارية ، وبغية إكمال هذه المقاعد الشاغرة حاليا والشواغر التي تحدث في المستقبل ، وليتسنى لمجلس النواب القيام بأعماله التشريعية بصورة كاملة ، وعملا بنص المادة (49) الفقرة (خامسا) من الدستور . فقد شرع هذا القانون ) . حسب نص الأسباب الموجبة للتشريع .
ثانيا- نصت المادة (61/ثامنا/أ ) منه ، على أن ( لمجلس النواب سحب الثقة من أحد الوزراء بالأغلبية المطلقة ، ويعد مستقيلا من تأريخ قرار سحب الثقة ، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناء على رغبته ، أو طلب موقع من خمسين عضوا ، إثر مناقشة إستجواب موجه إليه ، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تأريخ تقديمه ) .
*- كما نص النظامين الداخليين لمجلس الوزراء المرقمين (8 و2) للسنتين 2014 و2019 ، في المادة (11) منهما ، على أن ( لا يجوز لأي من أعضاء المجلس التخلف عن حضور إجتماعاته إلا بأذن مسبق من رئيسه ) . وعلى هذا الأساس نصت المادة ( 16/أولا ) منهما مع إختلاف النصين على ما يأتي :-
*- النظام رقم 8- ـمع مراعاة حكم المادة (11) من هذا النظام ، لرئيس المجلس التوصية إلى مجلس النواب أن يعد أيا من أعضاء المجلس مستقيلا ، في حالة تعليق عمله في الحكومة أو إعلان تعليق حضوره إجتماعات المجلس ، أو إمتناعه عمدا ودون عذر عن حضور إجتماعات المجلس لثلاث جلسات متتالية ، على أن يقدم رئيس المجلس مرشحا بديلا عن الوزير المستقيل خلال ( 15) خمسة عشر يوما من تاريخ عده مستقيلا .
*- النظام رقم 2- مع مراعاة حكم المادة (11) من هذا النظام , للرئيس التوصية إلى مجلس النواب أن يعد أيا من أعضاء المجلس مستقيلا ، في حالة تعليق عمله في الحكومة مدة تزيد عن (30) يوما ، أو إعلان تعليق حضوره إجتماعات المجلس أو إمتناعه عمدا ودون عذر مشروع عن حضور إجتماعات المجلس لثلاث جلسات متتالية على ان يقدم الرئيس مرشحا بديلا عن الوزير المستقيل خلال (15) خمسة عشر يوما من تأريخ عده مستقيلا .
*- كما نص النظامان على أن ( يقدم نواب رئيس المجلس والوزراء ومن هم بدرجة وزير ، طلبات إحالتهم إلى التقاعد أو إعفائهم من مناصبهم إلى رئيس المجلس ) .
ثالثا- نصت المادة (61/ثامنا/ ج ) منه ، على أن ( تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ) . وهذه هي الحالة الوحيدة التي يتم بموجبها إبعاد رئيس مجلس الوزراء عن منصبه بغية مساءلته ومحاسبته ، وقد كتبت على صفحة التواصل الإجتماعي في 5/9/2019 وبالنص ( البديل ..إستقالة عادل عبد المهدي ليس لها سند في التشريعات .. وأتحدى من يأت بخلاف ذلك .. إنها وسيلة عدم تجريده من الحصانة إلى حين هروبه ) .. وكنت في ذلك مستندا إلى النظامين المذكورين وكما سيأتي بيانه لاحقا .
رابعا- نصت المادة (64/ثانيا) منه ، على أن ( يدعو رئيس الجمهورية ، عند حل مجلس النواب ، إلى إنتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها ستون يوما من تأريخ الحل ، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلا ، ويواصل تصريف الأمور اليومية .
خامسا- نصت المادة (75/أولا) منه ، على أن ( لرئيس الجمهورية تقديم إستقالته تحريريا إلى رئيس مجلس النواب ، وتعد نافذة بعد مضي سبعة أيام من تأريخ إيداعها لدى مجلس النواب ) . ولعل من المناسب هنا ، الإشارة إلى أن المادة (1/ رابعا ) من القانون رقم (49) لسنة 2007- قانون تعديل قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006 ، قد نصت على أن ( لعضو هيئة الرئاسة المقبولة إستقالته الإحتفاظ بعضويته بمجلس النواب في حالة عدم رغبته في التقاعد ) . ويسري ذلك حاليا على رئيس الجمهورية فقط . *- إن مفهوم الإستقالة لذوي المناصب يندرج ضمن إجراءات الإنفكاك وقطع الصلة بالمنصب بغية إحلال البديل في مثل الحالة المعروضة ، وذلك ما لا يسري على الموظف في كل الحالات والأحوال . ولكن قبول مجلس النواب طلب إستقالة رئيس مجلس الوزراء السابق ( عادل عبد المهدي ) بدلا من سحب الثقة منه ، كما أشرنا إلى ذلك في البند ( ثالثا ) أعلاه ، تجنبا لإحالته إلى المحكمة المختصة لينال جزاءه العادل كما هو واضح وجلي ، ألزمنا بالتعامل مع موضوعه على أساس الإستقالة مرغمين ؟!. كونها الحالة الموثقة والمعتمدة رسميا وإن كانت خلاف موجبات نصوص التشريعات المذكورة فيما تقدم ونص المادة (85) من الدستور ، في أن ( يضع مجلس الوزراء نظاما داخليا لتنظيم سير العمل فيه ) . وذلك هو النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (8) في 8/12/2014 ، الذي نصت المادة (19/ أولا ) منه على أن ( يقدم رئيس المجلس طلب إعفائه من منصبه إلى رئيس الجمهورية ) . وليس تقديم طلب إستقالته إلى رئيس الجمهورية أو غيره ، وكذلك النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 ، الذي نصت المادة (18/ أولا ) منه ، على أن ( يقدم الرئيس طلب إعفائه من منصبه إلى رئيس الجمهورية ) أيضا . وهي الحالة التي تثير التساؤل عن الأسباب الحقيقية لعدم تقديم رئيس مجلس الوزراء طلب إعفائه من منصبه إلى رئيس الجمهورية ، وإستبدالها بتقديم طلب الإستقالة إلى رئيس مجلس النواب ، خلافا للنظام والأعراف الإدارية المتفق على إتباعها سياقا معتمدا لا يجوز تجاوزه ، وتخطي سلسلة المراجع بدون سبب أو مبرر قانوني ؟!.