الإستبداد سلوك ضد الذات والموضوع , فالمستبد تتأجج في أعماقه المشاعر السلبية فتغويه وتعميه , وتعزز فقدان بصيرته الحاشية اللاهثة وراء رغباتها المسعورة ونوازعها المحمومة.
فلا يوجد إستبداد إلا وأدى بجناته ومَن معهم وحولهم , بل أن معظم المستبدين إنتقموا من الأحزاب التي أوجدتهم , والحركات التي توجتهم وذاقوا سوء المصير.
فالأحزاب تلد المستبدين الذين يأكلون الأحزاب التي صنعتهم كرموز لها , وما أدركت بأنها تمضي إلى حتفها.
ولو أخذتم أي مستبد في مسيرة البشرية , لوجتم أنه ينتهي إلى ذات المآل الذي إنتهى إليه السابقون واللاحقون من بعده.
أي أن السلوك الإستبدادي له قواسم مشتركة , وآليات راسخة متكررة تقيّد نفسها وتبيد موضوعها.
فلا يوجد مستبد أفلح في تطوير حزبه ووطنه , وإن فعل بعض ذلك فأنه سيدمر ما أنجزه , بإرادة الإستبداد السلبية الفاعلة في دنياه المأزومة , القلقة المتشنجة المحفوفة بالأخطار.
فكم مستبد تآكل بعد أن أكل , وكم مستبد داسته سنابك الجموع الغاضبة , وألقت به على جرف الإذلال والهوان , وكم مستبدٍ مات حتف أنفه مدثرا بالمرارة والخسران.
فلماذا تصنع المجتمعات بأحزابها وقِواها جلاديها , ولماذا تشد العزم للإنتقام منهم بعد أن أذاقوها قساوة العيش النكيد؟
لماذا هذا السعي نحو جلد الذات الجمعية , التي تجتهد بصناعتها الشعوب , وتمضي بإخراجها بأبشع ما يكون عليه السلوك المشين؟
فالمستبد قد جاء من مجتمعه وحزبه والقِوى التي تفاعلت لتتويجه عدوا لها , فهل أن هذه المجتمعات فيها عاهة سلوكية تسعى بموجب آليات تأنيب الضمير لإيقاع أقسى العقوبات على نفسها , أم أنها حالة أخرى ذات مجهولية عالية يصعب إدراكها؟
إنه سلوك محير ومتكرر وفاعل في وجود بعض المجتمعات المنكوبة بويلات الكراسي!!