23 ديسمبر، 2024 1:24 ص

أنظمة الحكم ومنذ الوهلة الأولى تأسست وفقا لربط الناس بالحاكم كقوة مطلقة , فتحقق إضفاء قدرات إلهية عليه ليتمكن بها من القبض على مصيرهم.
والحالة واضحة في بلاد ما بين النهرين وحوض النيل , فأنظمة الحكم كانت كذلك في الحالتين.
ولا توجد فترات حكم كما نسميها ديمقراطية طويلة في التأريخ , فكان نظام المدينة والمواطنة في اليونان لفترة قصيرة , وأطول فترة يمكن القول بأنها ديمقراطية كانت من (1-40) هجرية , أي منذ الهجرة للمدينة حتى نهاية حكم علي بن أبي طالب , سادت فيها الشورى والكثير من معايير الديمقراطية كما نتصورها اليوم.
وفي النهاية وبصورة متنامية إنتصر عليها طبعنا الإستبدادي , وتطور في أنظمة حكم تواصلت معنا حتى اليوم.
والإستبداد يسري في المجتمعات البشرية , ولم تتحرر منه الدول المتقدمة إلا قبل عقود , بل ولا يزال فاعلا في عدد منها.
وعندما نأتي إلى دولنا وأنظمة الحكم فيها , لا يمكننا أن نتهمها بأنها هي الوحيدة من بين الدول التي يتحقق فيها الإستبداد , وبأنه السبب الرئيس والوحيد لما تعانيه.
إنه سبب من أسباب وليس السبب الوحيد كما يُراد له أن يُفهم.
فالعديد من الدول ذات الأنظمة المستبدة المعاصرة متقدمة ومتفوقة , بل أن الديمقراطية بأبسط تعريفاتها هي إستبداد الأكثرية , أي أنها إستبداد متطور أو متحضر.
وتنتشر المقالات التي تحمّل الإستبداد مغبّة ما يجري في البلدان للعباد , وتتغافل عن أسباب مهمة أخرى , فإقامة نظام حكم غير مستبد يحتاج لوقت وتضحيات ووعي متراكم يستدعي تواصل ثقافات أجيال , بينما من السهل إقامة نظام إستبدادي , لأن الأجيال مؤهلة لقبوله والعمل بموجب إرادته.
” إذا تغيّر السلطان تغير الزمان” , هذا ما قالته العرب , للتعبير عن العلاقة العضوية ما بين الناس والسلطان , وفيه تعبير واضح عن الإستبداد والإستعباد.
و”عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” , ينطبق على الكرسي المستبد , إذا تمكن منه مَن يتقي الله!!