23 ديسمبر، 2024 3:17 م

الإرهاصات الطائفية … معاناة السلطة

الإرهاصات الطائفية … معاناة السلطة

بات الوضع معروفا للجميع بأن الصراعات المستمرة على السلطة في العراق تدور بمدارات طائفية وفق أنظمة مذهبية تتمحور حول منع الشيعة العرب من التمثيل في السلطة , حيث تعرض الشيعة في العراق عبر حقبة طويلة من الزمن إلى الاضطهاد والجور والحرمان , لو أطلعنا على السيناريو الأقرب للأحداث تقريبا , أيان الحكم العثماني الطويل المعروف بتعصبه  ضد الشيعة  حتى عام 1914 وإطلاق ويلسن الرئيس الأمريكي آنذاك , مشروع احتلال العراق وسقوطه من الحكم العثماني وبحجة حق الشعوب المظلومة تقرير المصير , أحكم الانكليز  نفوذهم على العراق على الرغم من المواجهات الصارمة التي تعرضوا لها من الشيعة  لمنعهم من الاحتلال . حيث تمكن الانكليز أخيرا من رسم سياستهم المذهبية التي تقوم على أساس إقصاء الشيعة من التمثيل في السلطة , وأسسوا حكومة لهم بقيادة السير- برسي  كوكس المندوب السامي البريطاني آنذاك وبتشكيل تسع وزراء واحد منهم من الطائفة اليهودية مع إبعاد الشيعة حتى الموالين منهم للاحتلال , استمرت تلك السياسة الطائفية  في العراق  حتى مع الحكومات المتعاقبة لتلك , وكان الإنكليز هم من أسسوا وأشرفوا عليها وبمجمل التفاصيل وفقا للصيغة التي رسمتها معاهدة 1922 التي تقر بان السلطة في العراق مجرد تابع إداري لها . باستثناء حكم ثورة 14  تموز (1958- 1963) التي تمتاز بخلوها من الارتباطات الأجنبية وممارسات التميز الطائفي على السلطة , بعدها دخلت الطائفية عصرها الذهبي على يد حزب البعث العربي الاشتراكي  ليبدأ العهد المظلم  الذي بني وفقا للمصالح الاستعمارية فأنتهج سياستهم الطائفية , بحيث ركزت سلطته بتقسيم العراق على أساس مذهبي , إذ قام بعزل الأكراد وحاصر الشيعة في المناطق الجنوبية والفرات الأوسط في حين أتخذ من بعض المناطق الشمالية والغربية الوسطى التي يقطنها العرب السنة مستعمرة له. بحيث حصر فيها السلطة ومراكزها الأساسية   , ولم يكتفي عند هذا الحد فقد أتبع سياسة التعجيم ضد الشيعة العرب محاولا إضعاف مركزهم بطعن أصولهم العربية, حيث قام بسحب الهوية القومية والوطنية عن البعض وترحيلهم عن العراق واستباحة بيوتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم باعتبارهم إيرانيون في حين أباد آخرين , بحيث بلغت الطائفية السياسية أوجها. ولهذا كان تمذهب السلطة القومية في العراق ركنا ثابتا
…(السلطة للعرب وليس لأكراد . وللعرب السنة وليس للشيعة العرب ) .. لكن الموازين السياسية لتلك القاعدة قد انقلبت بعد تغير نظام الحكم في العراق عام 2003 ودخوله مرحلته الجديدة التي تقتضي للشيعة العرب الأغلبية الساحقة التمسك بزمام الحكم وفقا للمعيار الديمقراطي للعملية الانتخابية , أضحى الأمر هاجس للمصابين بعقدة الإنفراد بالسلطة لاسترجاع نفوذهم , وموضع تطلع آمال الدول الاستعمارية وحلفائها من الدول الإقليمية لإعادة بناء مصالحها التي تتعرض لخطر الانهيار تدريجيا تحت مظلة حكم الشراكة الوطنية , لذالك طبق برنامج طائفي يهدف إلى الإطاحة بالعملية السياسية التي تديرها الأغلبية الشيعية لإعادة الوضع إلى سابق عهده بصيغة تمذهب السلطة  ,  حيث بدءوا منذ عام ( 2004 -2007 ) بحمل السلاح لإقصاء الشيعة عن السلطة واستخدام شتى الأساليب القمعية ضدهم  حتى التهجير ألقسري من مناطق سكناهم  وقتلهم على الهوية  مقابل ذلك كله التخلي عن السلطة , انتهت هذه المرحلة مع صناديق الاقتراع التي حسمت رئاسة الحكومة لصالح الشيعة وما تمخض عنها  من تحسن أمني واستقرار نسبي,  وتكررت النتيجة نفسها  مع صناديق اقتراع  2010 حيث تعافى العراق كليا بانسحاب القوات الأمريكية وحلفائها  بموجب الاتفاقية الأمنية التي أبرمت معهم , لذلك باءت آمالهم بالفشل حيث لا يمكنهم الاستيلاء على السلطة  حتى لان الأغلبية الساحقة تقول أصواتها في الانتخابات , ولم يتبقى خيار آخر غير ترويج المشروع (الداخلي – الخارجي ) الذي يتضمن تقسيم العراق على أساس مذهبي وإنشاء الأقاليم بموجب نظام فيدرالي مستحدث ,  من خلال خلق الاضطرابات الطائفية وتأجيج الشارع بالاحتجاجات والمطالبات غير المشروعة وزرع  الخلايا الإرهابية. محاولين أن يدخلوا رئيس الحكومة في دائرة صراع معهم لأجل إضعاف حكومة المركز والالتفاف حول السلطة , وهذا ما حدث فعلا فساحات الدماء خير شاهد على ذلك.  ليتسنى لإرادات الخارجية قطف الثمارلو نجح المشروع ,بالأخص ( تركيا – إسرائيل) الرابح الأكبر , تركيا الحالمة باسترجاع ماضيها العثماني في العراق من خلال توطيد العلاقلت وتوسيع المصالح مع الأكراد لإستخدامهم ورقة ضغط من الشمال على حكومة المركز . والسعودية وقطر تزرع الخلايا الإرهابية قدر المستطاع في  وسط وقلب العراق  آملين بأن يجلبو الشفاء لغلهم الطائفي الساذج أو ليقدموا منها أيضا خدماتهم الجليلة لإسرائيل التي ترغب بموطئ قدم لها في العراق لتشق منفذا لها نحو خصمها إيران .  لكني أخيرا قد يسعني القول  لهولاء تراجعوا لإن الواقع يتماشى عكس ما تشتهي الأنفس في ظل النظام الديمقراطي , الكل يعمل بموجب استحقاقه الانتخابي وليس لأحد حق الأدعاء بأن السلطة حكرا موروثا عليه , تستخدمه أجندات خارجية وتسيره كيف ما يشاءون ,والحق يقال  أيضا مثل هذا المشروع محتوم بالفشل المؤكد , لاسيما والعراق  أصبح أكثر توحدا وتفهما لمصالح الوطن المشتركة وأكثر رؤية ووضوح للمخاطر التي تريد أنتابه , وكذلك الإقليم ليس مهيئا لإن يشتغل بذاته وهذا يفقده استقلاليته وبالتالي يفقد ما يملكه من ثروات , وسيكون النصيب من كل هذا..(نصيبكم من كل ما شيدتموه النكد) .