18 ديسمبر، 2024 11:04 ص

الإرهاب بين الفكر والرصاص

الإرهاب بين الفكر والرصاص

ظلت قضايا الإرهاب بعيدة عن فكر المصريين الشعب والنخبة مادامت تدور فى جبال سيناء بين الجيش والعصابات الإجرامية .. وطوال سنوات بقيت هذه المواجهة من باب الأسرار الحربية لأنها تخص الجيش الذى وضع كل إمكاناته ليحمى مصر من هذا الخطر الرهيب.. ولم تكن المواجهة مع الإرهاب فى سيناء أمرا جديدا ولكنها امتدت لفترات وان كان البعض قد تجاهلها كما فعل العهد البائد والبعض الآخر تواطأ معها كما فعل الإخوان المسلمين فى السلطة .. قد تكون المواجهة الحقيقية الوحيدة هى ما حدث فى السنوات الثلاث الأخيرة حين اتضحت صورة المأساة واكتشفنا ان هناك عدوا يعيش بيننا ويهدد كل شىء .

طوال سنوات المواجهة فى سيناء بقيت الأمور سرا حتى الإعلام لم يكلف نفسه مشقة أن يغطى الأحداث كما ينبغى إلا فى حالات نادرة امام سقوط اعداد كبيرة من الشهداء ..

كان التحول الكبير فى المواجهة مع الإرهاب حين اختار طريقا آخر فى الشهور الأخيرة واختار ان يشعل الفتنة بين ابناء الوطن الواحد وكان تفجير الكنائس وقتل الأبرياء وهم يؤدون الصلاة فى الأعياد والمناسبات الدينية .. هنا فقط شعر المصريون بالخطر الحقيقى للإرهاب رغم انه كان يهددنا فى كل لحظة .

فى تقديرى ان الدولة بكل مؤسساتها قد اهملت كشف الحقائق كاملة أمام الشعب خاصة اننا لم نعلم الكثير مما جرى فى سيناء وكيف تسللت عناصر اجنبية من جنسيات كثيرة وتحولت الى قوى معادية ..

الجانب الثانى أن العمليات الإرهابية الأخيرة فى الكنائس كانت تؤكد تغيرات فى اسلوب المواجهة مع الإرهاب خاصة تجنيد الشباب المصرى فى عمليات انتحارية مع وجود تخطيط مع قوى خارجية فيها سفريات واموال وانشطة مشبوهة .. هنا لابد ان نتوقف عند تغيرات اساسية فى شبابنا الذى بدأ يمارس هذه الصورة من الأعمال الإرهابية خاصة الانتحارية منها ولى هنا بعض الملاحظات :

أولا : هناك حقائق كثيرة غابت عن معركة الجيش فى سيناء ضد حشود الإرهاب وكان ينبغى أن نصارح الشعب بالحقيقة فقد اعتدنا ان نخفى كل شىء حتى ان نصر أكتوبر بكل جوانب الإنجاز فيه لم يشهد فيلما تسجيليا واحدا يعكس حقيقة ما حدث .. ليس هناك ما يمنع ان يشارك الشعب جيشه فى مهمته المقدسة وهو يحارب الإرهاب ثم انتظرنا حتى دق أبواب القاهرة ودمر كنائسها .. كان ينبغى أن نوضح الحقائق للشعب لأن الدماء التى تسيل فى سيناء هى أغلى ما يملك هذا الشعب .. ولكننا انتظرنا ولا أدرى لماذا كل هذا الوقت والإعلام غائب تماما عن كل ما يجرى هناك .

ثانيا: حين حدثت المواجهة بين الدولة والإرهاب فى صعيد مصر فى التسعينيات تجاهلت مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية الظاهرة بكل جوانبها, كانت احداث الأقصر وقبلها اغتيال السادات وقبلها اغتيال الشيخ الدهبى, ولم تحاول الدولة ان تتتبع اسباب الظاهرة والظروف الفكرية التى اعتنقتها جماعات الإرهاب فى ذلك الوقت, لقد اكتفت الدولة بالجوانب الأمنية فى الظاهرة رغم ان هناك دوافع كثيرة كانت وراء ظهور فكر الإرهاب فى مصر وللأسف الشديد ان هذه الدوافع والأسباب مازالت قائمة حتى الآن بل انها ازدادت شراسة وقوة

ثالثا: رغم كل جوانب الإرهاب فى تجربة الإخوان المسلمين فى السياسة فإنها فى فترة ما تقاسمت السلطة مع النظام البائد ورضيت بما حصلت عليه فى البرلمان وفى مصادر الثروة وفى دور اجتماعى حقق لها مكاسب كثيرة إلا أن الواقع الآن يؤكد انها منذ خرجت من السلطة فى ثورة يونيو قد غيرت الكثير من أساليبها واختارت العنف طريقا ووجدنا أنفسنا أمام جناح إخوانى دخل فى صفقة مريبة مع قوى الإرهاب فى المنطقة وكان دخول عناصر اجنبية داعشية إلى سيناء بتواطؤ مع الإخوان المسلمون .. بل أن أجهزة الأمن كشفت اخيرا ان الشباب الذى دمر الكنائس له انتماءات اخوانية, لاشك ان هذا التحول فى اساليب الإخوان لابد أن تتكشف كل جوانبه لأن ذلك يعنى ان فكر الإخوان لم يعد سياسيا أو دينيا ولكنه اختار العنف طريقا وهذا يتطلب مواجهات من نوع آخر خاصة أن التجارب السابقة فى الحوار قد اثبتت فشلها الذريع.

لقد اختار الإخوان أسوأ اساليب المواجهة السياسية وهى العنف خاصة ما يتعلق بالعلاقة بين أبناء الوطن الواحد مسلمين واقباط وإذا ثبت أن تفجير الكنائس فى الفترة الأخيرة كان عملا اخوانيا فسوف تكون هذه صفحة سوداء تضاف الى جرائم العنف فى تاريخ هذه الجماعة .

رابعا: مازلنا حتى الآن نهمل الجانب الفكرى فى قضية الإرهاب رغم انه اخطر واهم جوانبها .. فى المواجهات السابقة اهملت النظم الحاكمة جانب الفكر فى القضية واكتفت بحلول امنية قامت على اساليب الردع والمعتقلات حتى قضية المراجعات الفكرية فى التسعينيات لم تكمل مسارها .. وللأسف الشديد اننا مازلنا نمضى فى نفس المسار وان كان الجديد فى الأمر اننا نلقى المسئولية كاملة على الأزهر الشريف تحت شعار تجديد الخطاب الدينى ورغم خطورة وأهمية هذا الطرح لكن من الظلم الشديد ان نحمل الأزهر وشيخه خطايا نظم سياسية حكمت هذا البلد فترات طويلة .. لقد وصل الأمر الى إهانات توجه الى الإمام الأكبر احمد الطيب رغم بيانات ووثائق ورحلات الشيخ وبيت العائلة واللقاءات مع قداسة البابا كل هذه الأشياء لم تشفع وتركز كل شىء حول مسئولية الأزهر فى الخطاب الدينى, ومن قال ان مرجعيات الإرهاب الفكرية دينية فقط أليس من حقنا ان ندين النظام التعليمى بكل مراحله أليس من الغريب أن تكون معظم القيادات الدينية من خريجى الكليات العملية فى الجامعات المصرية .. أليس من واجبنا أن نناقش المرجعيات الإقتصادية التى افرزت جماعات جيل الإرهاب أليس من الضرورة ان نراجع أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء وهو يؤكد ان نسبة الفقر فى سوهاج وأسيوط أكثر من 50% وان معظم الشباب الذين قاموا بالعمليات الانتحارية الأخيرة من قنا .. أليس من الضرورى ان نراجع الواقع الإجتماعى شديد القسوة والشراسة وهو يطارد شبابنا .. أليس من الضرورى ان نسأل انفسنا عن شباب ثورة يناير ونسمع شكاواهم وآلامهم على مواقع التواصل الاجتماعى ونحن نجلس فى مكاتبنا المكيفة أليس من الضرورى ان نراجع بأمانة وضمير نهاية اسطورة قديمة كانت تسمى تكافؤ الفرص بعد ان اصبحت وهما كئيبا بين الشباب أليس من المطلوب ان نتابع قضايا الفساد والرشوة ونهب المال العام التى تكشفها كل يوم الرقابة الإدارية .. وقبل هذا كله أليس من الضرورى ان تسترد مؤسسات الدولة أموال الشعب فى قضايا الكسب غير المشروع .. إذا كان من حق جيل الشباب أن يسأل وان يعرف فإن واجب الدولة ان تكشف عن انجازات حقيقية تم تنفيذها وتحولت الى واقع ملموس فى كل ارجاء الوطن ..

خامسا: انا لا اقلل ابدا من أهمية ودور الخطاب الدينى والأزهر الشريف ولكن أخطاء التعليم والإعلام والثقافة شركاء فى هذه المأساة بل اننى لا اتجاوز إذا قلت ان الأسرة المصرية تتحمل الكثير من هذه الأسباب حين غابت الرقابة وغاب صوت الأب ومسئولية الأم فى الرعاية والتربية والحماية من أصدقاء السوء .. يأتى ايضا فى أسباب كارثة الإرهاب غياب النخبة المصرية التى انسحبت تماما من الساحة امام غياب القدوة وتراجع دور الأحزاب السياسية بل غياب السياسة تماما عن الشارع المصرى ..

من الخطأ الجسيم ان نضع كل اسباب الأزمة فى عنق الأزهر الشريف لأنه مؤسسة من عشرات المؤسسات فى الدولة المصرية التى تراجعت ادوارها وفرطت فى مسئوليتها ومن هنا تأتى اهمية المجلس الأعلى لمقاومة التطرف, ولا يعقل ان تغيب عن اعيننا ادوار الجامعات وما حدث فيها والمؤسسات التعليمية وتجنيد النقابات المهنية ومجالس الجامعات والهيئات الثقافية ودور الإعلام .. لابد أن يحشد هذا المجلس كل مؤسسات الدولة المصرية ابتداء بمن يحاربون الإرهاب فى سيناء وانتهاء بمن يطاردون حشوده امنيا وينبغى ان يسبق كل هذا مواجهة فكرية حتى لا نجد انفسنا كل يوم امام حشد ارهابى جديد ..

..ويبقى الشعر

نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ..

ومازلتُ اسألُ : هل من دليلْ ؟!!

أحاولُ أن استعيدَ الزمانَ

وأذكر وجهى…

وسُمرة َجلدى…

شُحوبى القليل…

ظلالُ الدوائرِ ِفوق العيونْ

وفى الرأسٍ يعبثُ بعضُ الجنونْ

نسيتُ تقاطيعَ هذا الزمانْ

نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ..

عيونى تجمَّدَ فيها البريقْ..

دَمى كان بحراً..

تعثر كالحلمِ بين العروقْ..

فأصبح بئراً..

دمى صار بئراً

وأيامُ عمرى حطامٌ غريقْ..

فمى صار صمتًا.. كلامى مُعادْ

وأصبح صوتى بقايا رمادْ

فما عدتُ انطقُ شيئاً جديداً

كتذكار صوت أتى من بعيدْ

وليس به اىُّ معنى جديدْ

فما عدتُ أسمع غيرَ الحكايا

وأشباحُ خوف برأسى تدورْ

وتصرخُ فى الناسِ

هل من دليلْ ؟؟

نسيتُ ملامح وجهى القديم

لأنَّ الزمانَ طيورٌ جوارحْ

تموتُ العصافيرُ بين الجوانحْ

زمانٌ يعيش بزيف ِالكلامِ

وزيف ِالنقاءِ … وزيف المدائحْ

حطام ُالوجوه على كل شىء

وبين القلوب تدورُ المذابحْ

تعلمتُ فى الزيف ألا أبالى

تعلمتُ فى الخوفِ ألا اسامحْ

ومأساةُ عمرى.. وجه قديمْ

نسيتُ ملامحَه من سنينْ

أطوفُ مع الليلِ وسط الشوارعْ

وأحملُ وحدى همومَ الحياهْ

أخاف فأجرى.. وأجرى أخافُ

وألمحُ وجهى.. كأنى أراهْ

وأصرخ ُفى الناسِ هل من دليلْ؟!!

نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ

وقالوا..

وقالوا رأيناكَ يوماً هنا

قصيدةَ عشقٍ ٍهوتْ.. لم تَتمْ

رأيناكَ حلماً بكهفٍ صغير

وحولكَ تجرى .. بحارُ الالمْ

وقالوا رأيناكَ خلف َالزمانِ

دموعَ اغترابٍ .. وذكرى ندمْ

وقالوا رأيناكَ بين الضحايا

رُفاتَ نبىًّ مضى .. وابتسمْ

وقالوا سمعناكَ بعد الحياةِ

تُبشَّر فى الناسِ رغم العدَمْ

وقالوا..وقالوا .. سمعتُ الكثيرْ

فأين الحقيقةُ فيما يقالْ ؟

ويبقى السؤالْ..

نسيتُ ملامح وجهى القديمْ

ومازلتُ أسألُ .. هل من دليلْ ؟!!

مضيتُ أُسائل نفسى كثيراً

تُرى أين وجهى .. ؟!!

وأحضرتُ لوناً وفرشاه رسم ٍ..

ولحنـًـا قديمْ

وعدتُ أُدندنُ مثل الصغارْ

تذكرتُ خَطـًا

تذكرتُ عينـًا

تذكرتُ أنفـًا

تذكرتُ فيه البريقَ الحزينْ

وظل يدارى شحوبَ الجبينْ

تجاعيدَ تزحفُ خلفَ السنينْ

تذكرتُ وجهىَ

كلَّ الملامح.. كلًّ الخطوطْ

رسمتْ انحناءاتِ وجهى

شُعيرات ِرأسى على كل بابْ

رسمتُ الملامحَ فوق المآذِنِ..

فوق المفارقِ..بين الترابْ

ولاحت عيونىَ وسط السحابْ

وأصبح وجهى على كلَّ شىء

رُسوماً..رُسومْ

ومازلتُ أرسمُ .. أرسمُ .. أرسمْ

ولكنَّ وجهى َما عاد وجهى..

وضاعت ملامحُ وجهى القديمْ.

قصيدة «وضاعت ملامح وجهى القديم» سنة 1983
نقلا عن الاهرام