18 ديسمبر، 2024 5:17 م

الإرهاب الأمريكي .. والخطر القائم

الإرهاب الأمريكي .. والخطر القائم

البربرية الأمريكية .. أصولية بيوريتانية تبحث عن عدو جديد !!
بعد غزو العراق وليبيا
كم ستسيل دماء في هذا العالم ، قبل أن تدرك الإمبريالية الأمريكية بعضاً من الحكمة .. تلك هي صرخة شاعر من أمريكا اللاتينية ، التي سبرت أكثر من غيرها الغور الأمريكي الفاشي، وعرفت ما تنطوي عليه الأعماق الأمريكية من نزوع إلى القوة والحروب والسيطرة والهيمنة ، والإعتقاد أن إمتلاك القوة ، وحرمان الآخرين منها ، وإستعمالها ، هي الطريقة المثلى لحكم هذا العالم.
ومن إمبريالية أمريكا ، عرف العالم لأول مرة لوناً من الرعب والموت والإبادة الجماعية والإرهاب لم يعرفهما من قبل ، وذلك عندما أمتلك رئيس أمريكي “جرأة إصدار” قرار بإستخدام سلاح الدمار الشامل ضد البشر، وضد مدينتين يابانيتين – هيروشيما وناكازاكي، حيث تركت أمريكا الفاشية ” إمثولة” الردع الكبير، للأجيال القادمة.
تلك هي الإمبريالية الأمريكية التي عرفناها مرة أخرى في فيتنام تبيد الإنسان والطبيعة في آن واحد ، وعرفناها بصورة آخرى في كل مكان ، تبعث إخبطوطاً من العمل السري التآمري ، لم تعرف الإنسانية ما يماثله بشاعة وإحتقاراً لحياة الإنسان وكرامته ومبادئه، وعندما تقرع أمريكا الفاشية طبول ” الفرح” بولادة العالم الجديد “القرن الأمريكي الجديد”.. إذ سقط وتفكّك الاتحاد السوفياتي في أواخر عام ١٩٩١، ونكست راية العدل الإجتماعي والحرية في كل أنحاء العالم، تسيل الدماء وكأن حرباً عالمية نشبت ، تسيل الدماء في أمريكا اللاتينية وأرمينيا واذربيجان وجورجيا ويوغسلافيا وفلسطين والصومال وأفغانستان والعراق ..الخ. حتى لم يعد هناك أحد في العالم لم تظله شظايا والإرهاب البربرية الأمريكية تنطوي على مؤشرات ودلالات إضافية ، تؤكد هذه النزعة البربرية ، ولا تثير هذه الحقيقة الدهشة أو الإستغراب لدى أحد أبداً لكون حقائق التاريخ ومعطيات الراهن تبرهن أن إمبريالية أمريكا التي قامت على أكداس جماجم الهنود الحمر، لن تستمر إلا على أشلاء الإنسانية ، وإلا التهام الذات . فإمبريالية الأمريكية التي تقوم بدور النازية الجديدة بكلمات مختصرة هي عدو البشرية .
وستسيل الآن وغداً وبعد غد . في بلدان أخرى ، لأن ممارسة الظلم والعدوان والإرهاب والنفاق والمعايير المزدوجة هو الذي تسبب من قبل ، وسيتسبب من بعد بالمزيد من هذه الدماء.
يبدو أن النزعة البربرية المتآصلة في السياسة الأمريكية ، قد انفلتت من عقالها ، وتجاوزت كل الحدود والضوابط ، مع تبدد الحلم الأمريكي بقيادة العالم ، رغم توافرها إلى الآن ، على مكانة القطب الأوحد، حتى لم يعد هناك أحد في العالم لم تطله شظايا وإرهاب البربرية الأمريكية .. وينطوي قرار بيل كلينتون أمام المؤتمر اليهودي العالمي في نيويورك وبحضور وزير خارجية الكيان الصهيوني شمعون بيريز، فرض الحصار الاقتصادي الشامل على العراق كترجمة لإستراتيجية الاحتواء المزدوج العدوانية ضد العراق ، على مؤشرات ودلالات إضافية ، تؤكد هذه النزعة البربرية .
فقد ولدت أمريكا من رحم العنف والإرهاب، وحققت ذاتها خلال ممارسة وتمجيد العنف والإرهاب ضد الإنسانية . طوال التاريخ الأمريكي ، الذي تعدى الخمسة قرون ، ومن ثم ترسخه في البنية الذهنية لفلسفة النظام والمجتمع الأمريكي ، وإضفاء طابع رومانسي عليه ، حتى بات العنف والإرهاب الأمريكي ، وفق الذهنية الأمريكية تعبيراً عن الحق والخير والجمال ، وغدت معه الثقافة الأمريكية ، ثقافة المجتمع والسينما الهوليوودية ، ثقافة إرهابية لا تعلم سوى فنون الجريمة ، والحض على القتل والسطو والعنف والأنتقام والإباحية الجنسية…الخ .. إنها وبحق صورة أمينة وصادقة عن السلوك الأمريكي تجاه العالم ، وتجاه الأقليات داخل أمريكا نفسها.
وخصوصاً بعد أن تعطلت آلية الفعل الأمريكي الداخلية ، وكفت عن طحن وصهر الأقليات في المجتمع الأمريكي ، وأصبحت علاقة الفرد الأمريكي ، بأمريكا لا تتحدد من خلال علاقة المواطنة ، وإنما من خلال الإطار الثقافي والحضاري الذي تنتمي إليه ، وقد عبر عن هذه الحقيقة المؤرخ الأمريكي المشهور آرثر شيلنجر بمناسبة مرور خمسمائة عام على اكتشاف أمريكا .فمنذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية ، في عهد البيوريتانيين نشأ في هذه البلاد ، كما يقول المفكر الفلسطيني أدوارد سعيد ، إنشاء أيديولوجي ممأسس يعبر عن وعي وهوية ومصير ودور أمريكي خاص ، كان شغله الشاغل ، ولم يزل لم شتات التنوع في أمريكا والعالم ، بأقصى ما يمكن ، وإعادة تشكيله بطريقة أمريكية فريدة .. وأعاد تأكيد هذه الايديولوجية الأمريكية لاحقاً زيغينو بريجينسكي مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، لشؤون الأمن القومي بقوله : “إن أمريكا هي مختبر ونموذج العالم ، وما سلف ذكره يشير بلا مواربة أو تمويه إلى أن حياة أمريكا ككيان واحد تتمثل وتتاكد في الخارج ، وأن اقصى درجات شعور الأمريكان ، وبالتحديد المجموعة المسيطرة ” الواسب” البيض الأمريكان من البروتستانت ، بالوحدة تكون في الحروب الخارجية : أي وبعبارة موجزة تجد كيانها في الخارج ، وإلا فالصراع العنصري في الداخل ، ونسوق مثلاً على ذلك ، أن الذهنية الأمريكية بررت خوض غمار الحرب العالمية الأولى ، كما تدلل كتابات وأدبيات تلك الفترة في كونها ” فرصة لتأجيج نيران الفضيلة في الامريكيين .. ورأت أن أمريكا ستخرج من هذه الحرب في حالة ” أنصهار روحي” ، كذلك ستكفل ” ميلاداً جديداً للروح الأمريكية ” . وكأن روح أمريكا كانت قد زهقت لأنها لم تخض حرباً منذ عام ١٨٩٥ وما إعلان المجرم الحرب بوش الأب الحرب على العراق عبر فرض الحصار الاقتصادي الجائر وثم غزوه إلا تعبير وثمرة لهذا العقل الإجرامي الإرهابي والملتوي ، المترسخ في البنية الذهنية لفلسفة النظام والمجتمع الأمريكي. وذهب بوش وكلينتون إلى ما لا نهاية إلى احتساب العمق العراقي في ميزان القوى واعتبره خطراً يهدد الكيان الصهيوني .
المبررات والأهداف ..
ثمة تساؤل ، تبرره المعطيات الواردة آنفاً، ويتمحور حول المضمون السياسي للحصار الاقتصادي ضد العراق ، وما ينطوي عليه من أهداف ، تذهب أبعد مما اعلنه وزير الخارجية الأمركي وارن كريستوفر في تبرير قرار فرض الخظر الشامل على التعامل مع العراق . وقد تزامنت مع صدور تقرير ” أنماط الإرهاب العالمي ” حيث وجه كريستوفر إلى العراق اتهامات تحمله مسؤولية كل عمل ” إرهابي” حسب التعبير الأمريكي بالطبع دون أن يقدم أي دليل . ولكن الأساس الأوجه للقرار الأمريكي ضد العراق ، كان اتهام العراق عقب أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١ .. دون أن يقدم دليلاً أكيداً على ذلك. وتشكل هذه الرؤية الصهيونية المفتاح لماذا أقدم بوش الأب وكلينتون وبوش الصغير على إعلان فرض الحصار الشامل على العراق ولترويج كذبة أسلحة الدمار الشامل المزعوم وترحيب الكيان الصهيوني بقرار بوش وكلينتون وبوش الصغير واستعداده لوضع إمكانيات الكيان الصهيوني في خدمة العدوان الأمريكي البريطاني على العراق حيث يوضح وبصورة لا تقبل الشك أن أحد أهم ثوابت السياسة الامريكية في المنطقة هو الأولوية المطلقة للأمن الصهيوني الذي تعتبره تل أبيب وواشنطن حالياً مهدداً على المدى المتوسط والبعيد ، وفق ما ذكره الحزب الشيوعي العراقي- الاتجاه الوطني الديمقراطي في بيانه الصادر في ، التي تشير “حسب الوثيقة التي نشرها البنتاغون قبل عشرة سنوات من القرن العشرين ، لوجود دولة مركزية إقليمية بمطامح وطنية أو قومية ، ولا سيما عندما تكون هذه ممتلكة من وساءل القوة والنهضة العلمية ما يؤهلها للدفاع عن مصالحها المشروعة “. مما يدفعنا إلى القول إن الحصار المفروض على العراق وكذبة أسلحة الدمار الشامل عدوان يصيب العرب مباشرة ، وبالتحديد أنظمة الدول الوطنية والاعتراض المواجهة للمشروع الأمريكي – الصهيوني ” الشرق الأوسط الجديد” . ولا تقتصر الأمور على هذا الحد ، بل هي أعمق بكثير مما ذكر، حيث تسعى الإستراتيجية الأمريكية إلى تفكيك دول الوطنية ، وإعادة تركيبها بصورة تخدم ديمومة السيطرة الأمريكية ، ورؤيتها لمنطقة العربية ولمنطقة المحيط الهندي بأعتبارهما منطقة الصراع خلال القرن القادم ، حتى يتيح لها الإحتفاظ بموقع القطب الأوحد : “ لأن من يسيطر على الشرق يسيطر على العالم “.
وتكتسب العراق أهمية فائقة وأولوية في الإستراتيجية الأمريكية ، لتكون حقائق الجغرافيا والتاريخ إضافة النفسية العراقية ، تفرض نفسها لتشكل واقعاً سياسياً أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه مناقض للرغبات الأمريكية . فضلاً عن رغبة واشنطن في تصفية حساب مع العراق تراكمت طوال السنوات الماضية ، كي لا تبقى أمثولة على إرادة الشعوب في اكتساح عروش الطغاة ، والتحرر من الارادة الامريكية ، فالمسالة إذا ترتبط بخطة شاملة تتركز على صياغة خريطة استراتيجية للمنطقة .
ويبدو بصورة جلية وواضحة أن قرار فرض الحظر على العراق ، هو خطوة أولى في سياق حرب أمريكية بريطانية – صهيونية – والعجم الإيراني ضد العراق.
ففي القرائن أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ( سي أي إيه) أصبحت معنية بشكل مباشرة في زعزعة النظام الوطني في العراق ، من خلال طلبها تخصيص مبلغ / ٥ / مليون دولار لهذا الغرض . وهذه ليست المرة الأولى التي تتضمن فيها موازنة الوكالة هكذا المبلغ . فقد سبق رصد مبلغ مماثل في موازنة لعام ١٩٩٤ . كما أعلن عن خطة أمريكية لإنشاء أسطول بحري خاصة في منطقة الخليج تحت مسمى استراتيجي ” الأسطول الخاص” تحت تصرفه امكانيات لوجسيتية كبيرة وقوات برية وجوية ، ليكون اداة لتنفيذ المآرب الأمريكية في هذه المنطقة ، كما أعلن اسحق رابين عن وضع جل امكانيات الكيان الصهيوني في خدمة واشنطن لتحجيم العراق ، كما نشير إلى زيارة الصهيونية المقبورة مادلين أولبرايت قاتلة أطفال العراق ممثلة أمريكا في الأمم المتحدة إلى المنطقة ومحاولة بناء حلف إقليمي ضد العراق بقيادة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني والعجم الإيراني، يضم الأنظمة بضم الأنظمة العربية الموالية لأمريكا.
والعراق من طرفه أدرك حقيقة القرار الأمريكي البريطاني الصهيوني ، واعتبره بداية للحرب المباشرة ضده . فوفق تصريحات لرئيس العراق، فإن الحرب ” بدأت وأنه من غير المستبعد أن تشن واشنطن حربا مباشرة . ودعا الجيش والشعب إلى الاستعداد لأن الحرب مقبلة لا محالة . وتنبيه دول الجوار على المخاطر المترتبة على القرار الأمريكي البريطاني الصهيوني على صعيد المنطقة ككل ، كخطوة وقائية لإجهاض أي محاولة أمريكية لإقامة تحالف إقليمي مضاد للعراق ، وتساهم حالة الجفاء القائمة في العلاقات الروسية – الأمريكية ، رغم افتقار الأولى ألى آليات الدولة القطب ، في تحقيق ذلك.
وهكذا تلتقط أمريكا الحلقات العربية- العربية واحدة تلو الأخرى ، لتغرس في جسدها أنيابها السامة ، ومن ثم تفتك بها . مما يستدعي ، بل ويفرض ضرورة بناء حالة من التضامن والتعاضد الكفاحي العربي ، ينطلق من اعتبارات الجغرافية السياسية والتاريخ ، ويتجاوز حساسيات اللحظة السياسية الراهنة والتعارضات الثانوية القائمة بين أطراف الدائرة العربية – العربية ، وهذا شرط لازم تحتمه ضرورات البقاء . ويفسح المجال لتفاعل الجغرافيا والتاريخ والارادة لكبح جماح البربرية الأمركية .
يتبع